فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما
  (وأورد) على هذه العلامة (السخي) فإنه يطلق على غير الله تعالى للجود، والله تعالى جواد ولا يقال له: سخي.
  (و) كذا (الفاضل) يطلق على غير الله للعلم، والله تعالى عالم ولا يقال له: فاضل. والقارورة تطلق على الزجاجة لاستقرار الشيء فيها، والدن والكوز مما يستقر فيه الشيء ولا يسمى قارورة. فقد وجدت علامة المجاز - وهي عدم الاطراد - في هذه الألفاظ مع أنها حقائق في هذه المعاني، فبطلت العلامة طرداً.
  (وأجيب) عن هذا الإيراد بأن هذه الألفاظ مطردة في معانيها، فإن السخي دائر بين معنى الجواد المطلق والجواد الذي من شأنه البخل، والفاضل دائر بين معنى الفاضل المطلق والفاضل الذي من شأنه الجهل(١)، ولما وجدناهما لا يطلقان على الله سبحانه مع جوده الشامل وعلمه الكامل علمنا (بأنهما) موضوعان (للجواد والعالم مع خصوصية قيد) وهو ما ذكرناه(٢).
  هذا إن سلم كون السخي لا يطلق على الله تعالى، وإلا فقد جاء في الحديث: «إن الله تعالى جميل يحب الجمال(٣)» وكذا(٤): «سخي يحب السخاء، نظيف
(١) فالدائر بين المطلق والمقيد إذا لم يطرد في المطلق يعلم أنه مجاز فيما عدا المقيد. (فصول بدائع).
(٢) أما ما أجيب به عن الدور من أن عدم الاطراد في المجاز يعرف بالنقل والاستقراء، وأما في الحقيقة فالتخلف في السخي لله ونحوه يدل على أن الوضع لسخي من شأنه أن يبخل ففرق من وراء الجمع؛ لأن الاستقراء ليس غير العلم بالتخلف المشترك بين الحقيقة والمجاز، فلو دل التخلف على عدم الوضع لمحل التخلف لتم اطراد وضع الحقيقة ووضع المجاز ولم يكن التخلف دليلاً على المجاز. وأيضاً عدم الاستعمال في المحل الذي هو معنى التخلف لا يدل على عدم الوضع لمحل التخلف؛ لجواز أن يوضع اللفظ لمعنى ولا يستعمل فيه كما سيأتي في نحو الرحمن وعسى، ولو استعمل فيه لكان حقيقة. (شرح المختصر للجلال |).
(٣) قيل: معناه أن كل أمره سبحانه جميل حسن، فله الأسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال، وقيل: هو بمعنى مجمل ككريم وسميع، وقيل: معناه جليل. وقيل: جميل الأفعال بعباده يكلف اليسير ويعين عليه، وقيل: معناه ذو البهجة والنور، أي: مالكهما. (من شرح السيوطي على مسلم). وقد بينه السيد العلامة المفتي | في شرح التكملة الموسوم بالأحكام على وجه بديع.
(٤) الأولى حذف: (وكذا) ولم يوجد في نسخ، وهو الصواب.