فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما
  الأصلي (فإنما يتم إذا كان الكل منقولاً) كما هو مذهب سيبويه، وهو أن الأعلام كلها منقولة (وهو ممنوع) كيف وقد خالفه الجمهور، وقالوا: إنها تنقسم إلى منقولة ومرتجلة(١)؟ وحينئذ قد صدق على بعضها وهو المرتجل(٢) بأنه مستعمل في موضوعه(٣) الأصلي فلا يتم دعوى الكلية.
  سلمنا أن الكل منقول (فلتكن) الأعلام حقيقة (عرفية خاصة).
= ويستقيم قوله بعد ذلك: سلمنا أن الكل منقول فلتكن الأعلام حقيقة عرفية، فإن معنى كونها حقيقة عرفية أنها ليست حقيقة أصلية، أي: مستعملة في أصل اللغة، بل نقلها العرف إلى معانيها العلمية، وكونها حقيقة عرفية هو الذي أراد ابن الحاجب في حد العلم بقوله: ما وضع لشيء بعينه ... إلخ، فإنه ذكر في حواشي الفصول أن المراد بالوضع في حده هو الوضع العرفي.
(قوله): «في غير موضعها الأصلي» يعني لا لعلاقة فلا يكون مجازاً، كذا نقل، ولو قيل: النقل لعلاقة لا ينافي كونها بعد ذلك حقائق عرفية كما سبق نظيره في الحقيقة الشرعية لم يبعد.
(١) قال في السراج المنير شرح الجامع الصغير النحوي ما لفظه: تنبيه: الأعلام التي بوضع اللغة منقولها ومرتجلها ألفاظ مستعملة في موضوعاتها فتكون حقائق لغوية؛ لصدق تعريف الحقيقة - وهو اللفظ المستعمل فيما وضع له - عليها.
وأما الأعلام المتجددة وهي ما علق من الألفاظ العربية بإزاء معنى قصداً لتخصيصه وتسميته به كالمولود له ابن فسماه زيداً مثلاً فليست حقيقة كما قالوا؛ إذ ليس فيها إلا تعليق اسم يخص ذلك المسمى لا من حيث وضع الواضع في اللغة، بل كل أحد له جعل علم على ما يريده، والذي ذكر من الوضع أي في الحقيقة إنما هو بالنسبة إلى من يعتبر وضعه بلغات.
وليست مجازات؛ لأنها لم تنقل لعلاقات، وهي شرط في المجاز كما قرر في محله، فإطلاقهم أن الأعلام لا توصف بحقيقة ولا مجاز محله الأعلام المتجددة دون الأعلام اللغوية كما ذكرناه وبحثه البرماوي، ولا فرق في ذلك بين منقولها ومرتجلها خلافاً لما توهمه الجاربردي حيث قال: الذي يدور في خلدي أن المراد الأعلام المنقولة، ويظهر أن الأعلام المتجددة لا تكون إلا منقولة؛ لأنها لو كانت بألفاظ مخترعة أي لم يسبق لها وضع في اللغة لم تكن كلمات عربية ولا تعد من كلام العرب كما صرحوا بمثله في الحقائق الشرعية والعرفية، وعلى ذلك نزل قول من قال: إن الأعلام كلها منقولة، أي: الأعلام المتجددة، فليتأمل فيه.
(٢) قد تقدم في بحث تفسير المفرد أن المرتجل هو المنقول لا لمناسبة، فالنقل لازم للمرتجل فيحقق. اهـ لعل المراد بالمرتجل هنا معناه الآخر، وهو الذي لم يسبق له وضع في النكرات.
(٣) في (أ، ج): موضعه.