هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما

صفحة 503 - الجزء 1

  كالرحمن فإنه مجاز⁣(⁣١) في الباري تعالى - إذ معناه: ذو الرحمة، ومعناها الحقيقي لا وجود له فيه؛ لأن معناها رقة القلب - ولم يستعمل في غيره تعالى.

  وأما قولهم: رحمن اليمامة فليس باستعمال صحيح⁣(⁣٢)، مع أنه لا يخفى على المتأمل أن هذا الاستعمال ليس حقيقياً؛ لأنهم لم يريدوا رقة القلب. وكذلك عسى ونحوها من أفعال المدح والذم فإنها مستعملة في غير ما وضعت له مع أنها أفعال ماضية فانسلخت عن الدلالة على الزمان⁣(⁣٣) والحدث ولم تستعمل دالة عليهما.


(قوله): «كالرحمن» هكذا أورده ابن الحاجب دليلاً للنافي واستقواه، وتحقيقه: أن المجاز لو استلزم الحقيقة لوجب أن يستعمل لفظ الرحمن في المعنى الحقيقي، وهو ذو الرحمة، أي: رقة القلب، ولم يستعمل هذا اللفظ في غير الله تعالى، والمعنى الحقيقي في حق الله محال، فيكون مجازاً في حقه تعالى ولا حقيقة له، وهذا على القول بأنه مجاز في حق الله تعالى، وقد دفع ذلك في العواصم واستنصر لكونه حقيقة وأوضح ذلك بما فيه كفاية.

(قوله): «فليس باستعمال صحيح» قال في الحواشي: فهو كما إذا أطلق كافر لفظ «الله» على المخلوق فلا يكون استعمالاً صحيحاً، فلا يرد ما يقال: الاستعمال في الجملة في قولهم: رحمن اليمامة قد وجد وإن خالفه الشرع والعرف.

(قوله): «لم يريدوا رقة القلب» يعني بل المنعم.

(قوله): «مع أنها أفعال» الأولى لأنها أفعال⁣[⁣١].

(قوله): «فانسلخت عن الدلالة على الزمان والحدث» ظاهر ما في شرح المختصر وحواشيه أن الانسلاخ إنما هو عن الدلالة على الزمان فقط. قال الشريف في تحقيق كلام شرح المختصر ما لفظه: وأما نحو عسى من الأفعال التي لم تستعمل في زمان معين مع كونه داخلاً في مفهوم الفعل فمن إطلاق لفظ الكل على الجزء. انتهى. قلت: وقد أشعر هذا الكلام أن علاقة التجوز في هذه الأفعال كونها مستعملة في جزء الموضوع له؛ لعدم دلالتها على الزمان، فما ذكره أصرح⁣[⁣٢] في المقصود من قولهم: إنها مستعملة في غير ما وضعت له، =


(١) وفي الكشاف: فإن قلت: ما معنى وصف الله بالرحمة ومعناها العطف والحنو، ومنها الرحم لانعطافها على ما فيها؟ قلت: هو مجاز عن إنعامه على عباده؛ لأن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وإنعامه، كما أنه إذا أدركته الفظاظة والقسوة عنف بهم ومنعهم خيره ومعروفه.

(*) وذكر الإمام القاسم بن محمد سلام الله عليه في الأساس أن الرحمن حقيقة دينية للباري تعالى، وذكر مثل ذلك السيد صلاح بن محمد المؤيدي في شرحه على الفصول ونسبه إلى السيد محمد بن إبراهيم الوزير وقال: إنه الحق، فعلى هذا هو موضوع للباري تعالى باعتبار أنه المنعم على عباده بنعم الدنيا والآخرة ومنقذ من كل بلاء. وكذا قال الإمام القاسم في رحيم. اهـ وفي حاشية على قوله: (إنه حقيقة) ما لفظه: وقد أوضح ذلك في العواصم وانتصر له بما لا مزيد عليه.

(٢) بل هو مختلف فيه كما قاله ابن الحاجب. اهـ وقيل: إنه معتد به، والمختص بالله هو المعرف باللام. (محلي).

(٣) في حاشية: أي: وقوع الحدث؛ لأنها لإنشاء الحدث، وبهذا يندفع ما اعترض به على المؤلف.


[١] ينظر ما الوجه؟ (ح).

[٢] لتعرضه للعلاقة، بخلاف قولهم. (ح عن خط شيخه).