فصل: [فيما يتعلق بمباحث الحاكم]
  والجواب عن الأول: بأن جعل الضروري وجود القدرة لا تأثيرها مغالطة وعدول عن الإنصاف؛ فإنه لا طريق إلى العلم بوجودها إلا العلم الضروري باختيارنا في أفعالنا، وعدم توقفها على شيء سوى إرادتنا.
  ثم إذا وجدنا مختاراً يتمكن من فعل دون آخر علمنا وجودها في الأول دون الثاني، ولولا تعلقها بأفعالنا وتأثيرها فيها لم نعلم وجودها أصلاً، على أن نفي تأثيرها يرفع فائدة خلقها؛ إذ وجودها ولا أثر لها كعدمها.
  وعن الثاني: بأنه لا يفيدكم ما ذكرتموه؛ لأن إرادته تعالى قديمة عندكم، وفعله
(قوله): «والجواب عن الأول» يعني من أجوبة شارح المختصر.
(قوله): «مغالطة» بجعل مجرد وجود القدرة هو الضروري وهو تأثيرها على ما هو الحق؛ ولهذا قال: وعدول عن الإنصاف، وذلك لأنهم عدلوا في الجواب عن التأثير إلى مجرد الوجود، هذا ما ينبغي في توجيه كون ما ذكروه مغالطة، فإن الظاهر أن ما ذكروه منع لا مغالطة.
(قوله): «فإنه لا طريق إلى العلم بوجودها إلا العلم الضروري باختيارنا» اعلم أن المؤلف # قد ذكر للعلم بوجود القدرة طريقين: الأول: ما ذكره هاهنا، والثاني: ما سيأتي من قوله: ولولا تعلقها بأفعالنا ... إلخ. وقد ذكر المؤلف ما يفيد الحصر في الأول والثاني، فينظر في تصحيح الجمع بين الحصرين[١] وفي وجه ذكرهما جميعاً مع أن الثاني مغن عن الأول ومغن عما ذكره بينهما. ولعله يجاب بأن الأول طريق إلى العلم بوجودها في الفاعل قبل إيجاد الفعل، والثاني طريق إلى وجودها فيه حال الفعل؛ لأنها هي المؤثرة فيه.
وبيان ذلك: أن معنى اختيارنا في أفعالنا عدم توقفها على شيء سوى الإرادة منا، ومعنى هذا التوقف أنا إن أردنا الفعل أوجدناه، وإن لم نرده لم نوجده، وهذا هو معنى الاختيار؛ فلذا عطف عدم التوقف على قوله: «باختيارنا» كالتفسير له، وهذا طريق إلى العلم بوجود القدرة فينا قبل الفعل. وأما قوله: ثم إنا وجدنا مختاراً ... إلخ فهو نتيجة الكلام السابق، فلو قال: فإذا وجدنا مختاراً ... إلخ[٢] لكان أولى. وقوله: «ولولا تعلقها» أي: القدرة. وقوله: «لم نعلم وجودها» أي: حال الفعل. إذا عرفت هذا الكلام اندفع قول الأشاعرة[٣]: إن الضروري هو العلم بوجودها لا تأثيرها.
(قوله): «وعن الثاني بأنه لا يفيدكم ... إلخ» هذا الجواب قوي لازم؛ ولهذا لم يتخلص منه السيد المحقق في شرح المواقف والحمد لله، فإنه قال: لكن يتجه أن يقال: استناد إرادته القديمة إلى ذاته بطريق الإيجاب؛ فإذا وجب الفعل إلى آخر ما ذكره المؤلف. وجعله بعض المحققين من أهل حواشي شرح المختصر قادحاً عليهم، حيث قال: لكن الحق أن القول بتحقق شوب من الإيجاب في حقه تعالى مما لا يجتري عليه المؤمن، بل لا يبعد أن يقال: إنه كفر. انتهى. وصاحب الجواهر أيضاً ضعف الثاني من أجوبة العضد بقريب مما ذكره المؤلف #.
[١] ينظر؛ فإن في الكلام تناقضاً؛ فقوله أولاً: «فينظر في تصحيح الجمع بين الحصرين» ينقضه قوله: مع أن الثاني مغن عن الأول؛ لأنه هو. ويحتاج إلى التصحيح لو اختلف الطريقان، وهذا إنما هو اختلاف عبارة فتأمل. (ح عن خط شيخه).
[٢] هو كذلك في النسخة المقروءة على المؤلف. (من خط سيدي أحمد |).
[٣] لكن هذا إذا سلم دعوى الضرورة على اختيارنا. (منه عن خط ح وغيره).