هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام

صفحة 558 - الجزء 1

فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام

  (الحكم) في الاصطلاح: (ما علق شرعاً أو عقلاً بفعل المكلف اقتضاء


(قوله): «وأقسامه» من تكليفي ووضعي، وقسمة التكليفي إلى الخمسة، وقسمة الواجب منها إلى معين ومخير ... إلخ، وقسمة الوضعي إلى ثلاثة.

(قوله): «من الأحكام» ككون الوجوب في المخير متعلقاً بالجميع أو بالبعض، وكون الوجوب في الكفاية على الجميع أو على البعض، ونحو ذلك من الأحكام. وأما أحكام الوضعي فلم يتعرض المؤلف # هنا لشيء منها، وكأنه استغنى بما ذكره # في باب القياس من ذكر أحكام العلة، وقد ذكر في الفصول هنا بعض أحكام الوضعي من أنه لا يشترط فيه ما يشترط في التكليفي من التكليف وعلم المكلف.

(قوله): «ما علق شرعاً أو عقلاً» انتصاب شرعاً وعقلاً لقيامه مقام مصدر علق مضاف إليه للنوع، أي: تعليق شرع أو عقل، ومثله انتصاب يقيناً وظناً في قولهم في مسالك العلة: وقد يحصل المقصود يقيناً أو ظناً، وليس نصب شرعاً وعقلاً على الظرفية كما في قولهم: ثبت شرعاً؛ إذ ليس المعنى هنا على الظرفية. وأما قوله: «اقتضاء أو تخييراً أو وضعاً» فالظاهر أنه منصوب على أنه مفعول لأجله علة لقوله: علق شرعاً، أي: هذا التعليق لأجل اقتضاء الشرع لفعل المكلف أو تخييره فيه أو لوضع شيء علامة لما علق بفعل المكلف، ككون الزمان مثلاً علامة لوجوب فعل المكلف. ويؤيد هذا عبارة ابن الحاجب حيث قال: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير، فإن عبارته تشعر بالسببية، ويحتمل أن يكون انتصاب اقتضاء وما بعده أيضاً على المصدر النوعي، أي: تعليق اقتضاء، والاحتمال الأول أظهر وأوفق. واعلم أن هذا صادق على الخطاب المعلق شرعاً بفعل المكلف نحو: أقيموا الصلاة، مع أن خطاب الشارع ليس هو الحكم الشرعي عندنا، بل الحكم صفة فعل المكلف من الوجوب ونحوه، وهو ما يثبت بالخطاب لا نفس الخطاب. ويؤيد هذا الاعتراض أن المؤلف # أخرج قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ٩٦}⁣[الصافات] بقوله: فعل المكلف؛ بناء على أنه خطاب علق شرعاً، فلو لم يصدق عليه أول الحد - أعني ما علق شرعاً - لم يحتج إلى إخراجه بفعل المكلف؛ لخروجه بقوله: ما علق شرعاً. وأما الأشعرية فإنهم يجعلون الحكم نفس الخطاب؛ ولذا قال ابن الحاجب: الحكم خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين، فلو قال المؤلف #: الحكم ما ثبت بخطاب الشارع أو بالعقل تعليقه بفعل المكلف ... إلخ لاندفع ما ذكرنا ولم يحتج إلى الاحتراز عن قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ٩٦}⁣[⁣١]؛ إذ هو إنما يرد على حد ابن الحاجب. واعلم أنه لا يرد على حد المؤلف ما أورد على حد ابن الحاجب من أنه غير منعكس لعدم صدقه على الأحكام الثابتة بالسنة والإجماع والقياس؛ إذ لا يصدق عليها أنها خطابات إلهية. وقد أجيب عنه بأن المراد بالخطاب الإلهي أعم من أن يكون بواسطة أو ابتداءً؛ إذ نقول: الأحكام الشرعية لا تثبت بالسنة والإجماع والقياس، بل هي كاشفات ومعرفات للأحكام الشرعية التي هي الخطابات الإلهية المتعلقة بأفعال المكلفين.

(قوله): «بفعل المكلف» هذا يشمل خواصه ÷ الواجبة شمولاً ظاهراً، بخلاف عبارة ابن الحاجب حيث قال: المتعلق بأفعال المكلفين. والمراد بالفعل ما يتناول الفعل القلبي والقولي وغيره، وكذا الكف؛ ولذا اقتصر المؤلف على الفعل.


[١] الظاهر أنه يحتاج إليه في هذه العبارة - أعني قوله: ما ثبت إلخ - أيضاً؛ لأنه يصدق على قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ٩٦} أنه خطاب ثبت به شيء، وهو إعلامنا أن عملنا مخلوق له تعالى، وهو - أي: إعلامنا - متعلق بفعل المكلف على هذا الكلام، فهو يرد عليه كما ورد على عبارة المؤلف. (ح عن خط شيخه).