فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  فيهما هل هما لفظان مترادفان منقولان من معنييهما اللغويين إلى معنى واحد هو ما يمدح فاعله ويذم تاركه سواء ثبت ذلك بدليل قطعي أو ظني، أو نقل كل واحد منهما من معناه إلى معنى مخصوص، فالفرض هو: ما يمدح فاعله ويذم تاركه إذا ثبت بدليل قطعي، والواجب هو: ما يمدح فاعله ويذم تاركه إذا ثبت بظني، وهذا مجرد اصطلاح؛ فلا معنى لاحتجاج أبي حنيفة بأن التفاوت بين الكتاب وخبر الواحد يوجب التفاوت بين مدلوليهما، أو بأن الفرض في اللغة التقدير(١) والوجوب هو السقوط، فالفرض: ما علم قطعاً أنه مقدر علينا، والواجب ما سقط علينا بطريق الظن، فلا يكون المظنون مقدراً، ولا المعلوم القطعي ساقطاً علينا.
(قوله): «وهذا مجرد اصطلاح» إذ لا نزاع في المعنى، بل النزاع لفظي عائد إلى التسمية.
(قوله): «فلا معنى لاحتجاج أبي حنيفة» أي: إذا كان الجميع متفقين[١] على عدم تفاوت ما ثبت بقطعي وما ثبت بظني كما عرفت لم يكن لاحتجاجه معنى؛ إذ لا يتوجه هذا الاحتجاج مع ذلك الاتفاق.
(قوله): «بين الكتاب وخبر الواحد» الأولى أن يقال: بين الكتاب القطعي وخبر الواحد؛ ليظهر الاحتجاج.
وعبارة السعد: وقد يتوهم أن من جعلهما مترادفين جعل خبر الواحد الظني - بل القياس المبني عليه - في مرتبة الكتاب القطعي حيث جعل مدلولهما واحداً، وهو غلط ظاهر.
(قوله): «فالفرض ما علم قطعاً[٢] إلى قوله: والواجب ما سقط علينا» هكذا في حاشية الشريف، وأظهر من ذلك في وجه المناسبة ما ذكره في شرح الجمع للمحلي حيث قال: الفرض عند الحنفية مأخوذ من فرض الشيء بمعنى: حزه، أي: قطعه، والواجب من وجب الشيء وجبة: سقط، وما ثبت بظني ساقط من قسم المعلوم. انتهى.
(قوله): «ما سقط علينا» أي: وجب ونزل، شبهه بالشيء الساقط من فوق على شيء؛ بناء على أن السقوط هو الوجوب.
(١) قال في المنار وشرحه مع زيادة إيضاح: الفريضة هي المقدرة التي لا تحتمل زيادة ولا نقصاناً لكونها مكتوبة في اللوح المحفوظ لأوجه لا تحتمل التغيير إلى زيادة ونقصان، ونحن لا نحكم بذلك إلا بدليل قطعي لا شبهة فيه، ولا يجوز أن نحكم بمجرد الظن على ما في اللوح. بخلاف الواجب بمعنى الثابت شرعاً فإنه يجوز الحكم به بدليل ظني؛ إذ ليس إخباراً عما في اللوح. اهـ وبهذا التحقيق يظهر معنى احتجاج أبي حنيفة. (عن خط السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد).
[١] يحقق هذا الارتكاب، فإن الأمر بالعكس مما ذكر، وهو الاتفاق على تفاوت الأمرين، والظاهر أن وجه قوله: «فلا معنى لاحتجاج أبي حنيفة» هو مجرد كونه اصطلاح؛ إذ الاختلاف فيه لفظي. (لسيدي حسن الكبسي. ح).
[٢] قال القاضي حسن |: هكذا في حاشية الشريف إلى قوله. انتهى. قال السيد العلامة صلاح بن حسين الأخفش |: ولا يخفى ما بين الكلامين من التغاير فليتأمل. (ح عن خط شيخه).