فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  إنما يكون عند امتناعه، ولا امتناع فيه قطعاً(١).
  وقالت الأشاعرة وأكثر الفقهاء: بل الواجب منها واحد لا بعينه، وفسره المتأخرون بالقدر المشترك(٢) بينها، وهو ما أشار إليه بقوله: (لا مبهم. و) احتجوا أولاً: بأنه وقع (الجزم بجواز الأمر به) لأنه لو قال: «أوجبت عليك واحداً مبهماً من هذه الأمور، وأياً فعلت فقد أتيت بالواجب، وإن تركت الجميع تذم لتركك أحدها من حيث هو أحدها» لم يلزم منه محال.
  ثم النص دل على وجوب واحد من هذه الأمور، فيجب الحمل عليه؛ لأن الصرف عن المدلول إنما يكون عند امتناعه، ولا امتناع فيه قطعاً.
  والجواب: أن الوجوب لازم للأمر مستفاد منه(٣)، فإذا تعلق بالواحد المبهم
(قوله): «واحد لا بعينه» فالمخير فيه عندهم أفراد الواجب، وهو الأحد المبهم؛ لحصوله في ضمن الأفراد، فمعنى الواجب المخير هو المخير في أفراده، لا أنه خير في نفس الواجب كما يتبادر من العبارة، ذكره الشريف، وأما عند الأولين فالمخير فيه هو نفس الواجب.
(قوله): «فإذا تعلق ... إلخ» هكذا في حواشي المحقق الشريف، لكن قول المؤلف #: فنقول ... إلخ: لا يظهر وجه =
(١) والخصم لا يساعد إلى عدم امتناعه؛ لأنه المتنازع فيه، ويدعي دلالة النص على وجوب واحد من تلك الأمور ليس إلا. (شرح فصول).
(٢) قال الإسنوي: ولك أن تقول: أحد الأشياء قدر مشترك بين الخصال كلها؛ لصدقه على كل واحد منها، وهو واحد لا تعدد فيه، وإنما التعدد في محاله؛ لأن المتواطئ موضوع لمعنى واحد صادق على أفراد كالإنسان، وليس موضوعاً لمعان متعددة، وإذا كان أحد الخصال هو متعلق الوجوب كما تقدم استحال فيه التخيير، وإنما التخيير في الخصوصيات، وهي خصوص الإطعام أو الكسوة أو الإعتاق، فالذي هو متعلق الوجوب لا تخيير فيه، والذي هو متعلق التخيير لا وجوب فيه، قال: وهذا نافع في المباحث الآتية فافهمه.
(٣) حاصل هذا الجواب أن الأشعرية قالوا: وقع الجزم بجواز الأمر بالمبهم، ولا نخالفهم في أن الوجوب لازم للأمر، فإذا تعلق الأمر بمبهم تعلق الوجوب به في الجملة، فنقول على طريق الاستفسار: إن أردتم الأمر بالمبهم يتعلق به - أي: بالمبهم - ظاهراً فغير محل النزاع إلى آخر ما ذكره المؤلف، هذا مراده، وفيه خفاء؛ فلذا حمل سيلان عبارة المؤلف على خلاف مراده ثم اعترضه، ولا وجه للاعتراض. (من خط السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد).