فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  وقته على صفة التكليف، فمن قال بأنها(١) لطف في واجب لا يؤثمه؛ لأن الشرع ورد باستمرار وجوبها إلى آخر الوقت المضروب، ولا شك أن الملطوف فيه متأخر عن الوقت(٢) في كل حال وفي كل مكلف.
  (و) من قال بأنها شكر يقول بأنه (يأثم مؤخر(٣) بلا عذر مع ظن المانع) كالموت وتعذر الفعل (للجرأة(٤)) فإن لم يظن المانع فلا إثم عليه اتفاقاً.
(قوله): «متأخر عن الوقت» إذ لو جاز أن يكون الملطوف فيه قبل خروج الوقت لسقط وجوبها في آخره حيث جوزنا أن الملطوف فيه في وسط الوقت؛ لأن اللطف لا يجب بعد مضي وقت الملطوف فيه؛ لأنه قد تعذر فعله بعد مضي وقته، فلا وجه للتكليف باللطف بعد مضي وقت الملطوف فيه وتعذره، هكذا ذكره الإمام المهدي في المنهاج.
(قوله): «ويأثم مؤخر بلا عذر مع ظن المانع» هذه العبارة أشمل من عبارة ابن الحاجب وغيره حيث قالوا: من أخر مع ظن الموت؛ لشمول عبارته # ظن الفوات لسبب آخر كإغماء أو جنون أو حيض.
قال في شرح الجمع: قال في النهاية: لو اعتادت طرو الحيض عليها في أثناء الوقت من يوم معين تضيق عليها الوقت[١]. وقد بنى المؤلف # التأثيم على قول من يقول بأن الواجبات الشرعية وجبت لكونها شكراً كما هو قول أئمتنا $، وذلك معروف في موضعه، لا على القول بأنها وجبت لكونها لطفاً كما عرفت من المنقول عن المنهاج؛ ولهذا اختار الإمام المهدي # وغيره عدم التأثيم. لكن يقال: ومع القول بأنها شكر لا تأثيم إلا إذا قيل بأن المكلف مع ظنه المانع ينتفي عنه التوسيع حتى تثبت له الجرأة، وليس كذلك، وحينئذ فلا جرأة مع التوسيع، ولا نسلم أن ظن الموت يضيقه ويقطع التخيير.
(قوله): «فإن لم يظن المانع فلا إثم عليه[٢]» هذه العبارة أشمل من قول ابن الحاجب: «فإن أخر مع ظن السلامة»؛ لشمولها ظن عدم المانع والشك فيه، فالأول كأن يظن السلامة أو يظن عدم تعذر الفعل. واعلم أنهم ذكروا في الموسع مسألتين: إحداهما: من أخر مع ظن المانع كالموت كما ذكره المؤلف. الثانية: من أخر مع ظن السلامة ومات فجأة، قالوا: فإنه لا يعصي؛ لأن التأخير جائز، ولا تأثيم بالجائز، وجعلوا هذه المسألة الثانية هي التي حصل الفرق بها بين الموسع وما وقته العمر. ولفظ مختصر المنتهى وشرحه: وهذا بخلاف ما وقته العمر فإنه لو أخر ومات فجأة عصى، وإلا لم يتحقق الوجوب. فالمؤلف # أشار إلى المسألة الثانية بمفهوم قوله: مع ظن المانع، أي: فإن لم يظن المانع في الموسع فلا إثم عليه، إلا أنه لم يجعل المؤلف الفرق بين الموسع وما وقته العمر مجرد هذه المسألة الثانية كما ذكروا، بل هي مع القول بأن الأمر للفور، وهذا معنى قوله: =
(١) أي: الواجبات.
(٢) المضروب لها.
(٣) ينظر في دليل التأثيم في هذا القول مع تعلق الوجوب بجميع الوقت.
(٤) يمكن أن يقال: لا جرأة؛ لأنه موسع، فلا إثم حينئذ.
[١] في شرح الجمع: الفرض.
[٢] يعني ولو مات فجأة. (حسن يحيى).