فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  (فإن لم) يقع المانع المظنون (فالفعل) في آخر الوقت (أداء) لصدق الحد عليه (وقيل: قضاء) وهو قول القاضي أبي بكر الباقلاني؛ لأنه صار وقته شرعاً ما قبل ذلك الوقت بحسب ظنه (فإن أريد بنيته) أي: بنية القضاء (فبعيد) إذ
= وأما ما وقته العمر فإنه يعصي مؤخره مطلقاً - يعني سواء ظن المانع أو لا - عند من يقول بأن الأمر للفور.
ثم اختار مع القول بعدم دلالته على الفور عدم الفرق بين الموسع وما وقته العمر في أنه مع ظن الموت يعصي ومع ظن البقاء لا يعصي كما في الموسع، وهذا معنى قوله: ومن يقول بأنه لا يدل على الفور ... إلخ.
ووجه عدول المؤلف عن الفرق بما ذكروه أن المحقق الشريف اعترضه حيث قال: الفرق بين ما وقته العمر وبين غيره مشكل؛ فإن ما يسع وقته العمر إن لم يجز تأخيره أصلاً لم يكن موسعاً قطعاً، وإن جاز فإما مطلقاً فلا عصيان بالتأخير مع الموت فجأة؛ إذ لا تأثيم بالجائز[١]، وإما بشرط سلامة العاقبة فيلزم التكليف بالمحال كما في غيره.
وأما ما ذكره ابن الحاجب من أنه لو جاز له التأخير أبداً وإذا مات لم يعص لم يتحقق الوجوب أصلاً، بخلاف الظهر مثلاً فإن جواز تأخيره إلى أن يتضيق وقته فلا يرتفع الوجوب - فقد أجاب عنه السيد المحقق بما لا يسعه المقام.
فإن قيل: فلم جعل المؤلف العصيان وعدمه فيما وقته العمر مبنياً على الخلاف في الأمر هل للفور أو التراخي دون الموسع؟
قلنا: لأن الخلاف المذكور إنما هو في الأمر المطلق لا في مثل الموسع كما صرح بذلك المؤلف وغيره فيما يأتي.
فإن قيل: فالحج أيضاً مؤقت؛ لقول المؤلف #: وأما ما وقته العمر، وقول ابن الحاجب وغيره: بخلاف ما وقته العمر.
ويؤيد ذلك: أن المؤلف # وغيره في مسألة: هل الأمر للفور أو للتراخي استدلوا على التراخي بحجه ÷ بعد مدة من نزول آية الحج.
قلنا: الظاهر أن ما وقته العمر له شبه بالمطلق من حيث إنه لا يعرف وقت انتهائه، بخلاف وقت الموسع كالظهر؛ ولهذا لم يجعلوه موصوفاً بالقضاء كما يأتي للمؤلف، وله شبه بالمؤقت من حيث إن وقته مقدر معين.
وقد أشار المؤلف إلى ما ذكرنا بقوله فيما يأتي: بخلاف الحج فإن وقته مقدر معين لكنه غير محدود فيوصف بالأداء، واعتذر لإطلاقهم القضاء على الحج الفاسد بما سيأتي، وبما ذكرنا يحصل الجمع بين الأقوال، والله أعلم.
(قوله): «فإن أريد بنيته» أي: القضاء، أي: بوجوب نيته كما ذكره ابن الحاجب؛ ليظهر كون الخلاف مع التقييد بالوجوب معنوياً. والوجه في نية القضاء عند القاضي أن ذلك الظن كما صار سبباً لتعيين [لتعين (ح شريف)] ذلك الجزء وقتاً صار سبباً أيضاً لخروج ما بعده عن كونه مقدراً له أولاً بالكلية. وهو بعيد؛ إذ لم يقل أحد بوجوب نية القضاء أو خروج[٢] ما بعده عن كونه مقدراً له أولاً في نفس الأمر، فإن تعين ذلك الجزء إنما يظهر في حق العصيان، ولا يلزم اعتباره في خروج ما بعده عن كونه وقتاً عند ظهور فساد الظن المقتضي لتعيينه [لتعينه (ح شريف)]، كما إذا ظن المكلف قبل دخول وقت الظهر مثلاً أنه لو لم يشتغل به ينقضي وقته وأخر فإنه يعصي اتفاقاً، وبعد ظهور خطأ اعتقاده إذا أوقعه في الوقت كان أداء بلا خلاف، ولا أثر للاعتقاد البين خطأوه في التسمية بالقضاء، وهذا بعينه يدل على فساد القول بوجوب نية القضاء، وإلا لوجبت في صورة الوفاق.
وما يتوهم من الفرق بين الصورتين بأن المتعين[٣] في إحداهما جزء من أجزاء الوقت المقدر له شرعاً أولاً وفي الثانية ما هو خارج عنه متقدم عليه لا تعويل عليه؛ إذ مدار الحكم على التعيين والعصيان بالتأخير، فهو [وهو (ح شريف)] مشترك بينهما، هكذا ذكره الشريف.
[١] في المطبوع: إذ لا تأثيم بالتأخير، والمثبت من حاشية الشريف.
[٢] هكذا في المطبوع، وفي حاشية الشريف: وخروج.
[٣] هكذا في المطبوع وفي حاشية الشريف: بأن المتعلق.