[الأحكام التكليفية]
  وإنما الكلام في الواجب المطلق هل يكون ما لا يتم إلا به مع كونه مقدوراً واجباً أم لا؟ والمراد بالإطلاق عدم التقييد بتلك المقدمة وإن كان مقيداً بمقدمة أخرى، فقد يكون الشيء مطلقاً ومقيداً باعتبارين، وفيه أربعة أقوال:
  الأول: وهو لجمهور العلماء ما أفاده بقوله: (قيل: ما لا يتم المطلق إلا به وكان مقدوراً) للمكلف
= وفي تسمية المتوقف على غير المقدور وعلى الشرط اللفظي واجباً تجوز؛ إذ لا وجوب له أصلاً بدون القدرة والشرط. انتهى. قلت: وقد بنوا هنا على هذا التجوز؛ لأنهم احترزوا بالمطلق عن المقيد بالشرط، وبقولهم: وكان مقدوراً عن غير المقدور بناء على دخولهما في الواجب، ولعل العلاقة الأول إلى الواجب في المقيد بالشرط اللفظي[١]، وفيهما جميعاً المشابهة صورة للواجب في تعلق الأمر بهما لفظاً.
(قوله): «مع كونه مقدوراً واجباً» يعني بوجوبه، وإنما ترك المؤلف هذا القيد تسامحاً؛ لظهور إرادته.
(قوله): «وقد يكون الشيء مطلقاً ومقيداً باعتبارين» حتى إن الزكاة بالنسبة إلى تحصيل النصاب مقيدة فلا تجب بالنسبة إليه، وإلى تعيين النصاب وإفرازه مطلقة فتجب، وكذا الصلاة بل التكاليف كلها موقوفة على البلوغ والعقل، فهي بالقياس إليهما مقيدة، وبالإضافة إلى الطهارة واجبة مطلقة، وما ذكره المؤلف # في تفسير المقيد والمطلق هو الذي في شرح المختصر. وقد فسر غيره الواجب المطلق بما يجب في كل وقت وعلى كل حال، فنوقض بالصلاة؛ إذ لا تجب في كل وقت وعلى كل حال مع أنها تكون مطلقة بالنسبة إلى بعض المقدمات، وإنما ذكرنا هنا هذا التفسير لأنه ينبني عليه كلام للمؤلف سيأتي إن شاء الله تعالى، والمراد بالتقييد ما تقدم من قول الشارع: إن ملكت النصاب فزك، وبالإطلاق عدم التقييد. وظاهر كلامهم أن التقييد يكون بالشروط والأسباب سواء كانت شرعية أو عقلية أو عادية، إذ قيد الإطلاق احتراز عن القيد بها، فينظر فيما يصح تقييده منها[٢] فإنه لا يصح التقييد في بعضها باللفظ كما في النظر الذي هو شرط في العلم مثل: إن نظرت وجب العلم[٣].
(قوله): «مقدوراً للمكلف» أغفل المؤلف # بيان معنى المقدور لاختلافه باختلاف كلام الجمهور وكلام ابن الحاجب، فتفسيره متوقف على معرفة التمايز بين الكلامين ليظهر هل المراد بالمقدور مفهومه الظاهر المشهور - أعني ما يدخل تحت قدرة المكلف - أو المراد غيره. وبيان ذلك أن غير المقدور عند ابن الحاجب ما لا يتأتى الفعل بدونه عقلاً أو عادة، والمقدور مقابله، فيدخل في غير المقدور ما لا يمكن تحصيله كالقدم للقيام، وما يمكن تحصيله كترك أضداد الواجب، فابن الحاجب أخرج غير المقدور بقسميه: أما غير الممكن فظاهر، وأما الممكن فلخروجه عن البحث عنده. وأما الجمهور فإنهم فسروا المقدور بما هو المشهور، أعني ما يدخل تحت القدرة، فيدخل الممكن من العقلي والعادي؛ لأنهما يدخلان تحت القدرة وإن كانا مما لا يتأتى الفعل بدونهما، وإنما أدخلهما الجمهور لأنهما من المبحث عندهم، ويخرج غير الممكن من الشروط العقلية والعادية، أعني ما لا يدخل تحت القدرة. إذا عرفت ذلك فالمؤلف لو اعتمد في تفسير المقدور ما هو المشهور دخل الممكن من العقلي والعادي فلم يطابق قوله: وقيل: يجب الشرط الشرعي؛ لأنه مبني على اعتبار قيد المقدور عند ابن الحاجب، وقد فسره بما عرفت، ولو فسر المقدور بما ذكره ابن الحاجب - أعني ما يتأتى الفعل بدونه - خرج الشرط العقلي والعادي الممكن الحصول، وهو عند الجمهور من المبحث فتأمل، وتمام تحقيقه يؤخذ من حواشي شرح المختصر.
[١] وكذا في المتوقف على غير المقدور. (ح عن خط شيخه).
[٢] الظاهر أن المراد بالمقيد ما كان مقيداً بمقدمة لا يحصل الوجوب في الواجب إلا بعد حصولها، والمراد بالمطلق ما لا يتوقف وجوبه على مقدمة وإن كان لا يتأدى تأديته على الوجه المشروع إلا بها فتأمل. (ح عن خط شيخه).
[٣] يقال: النظر سبب لا شرط، كما هو صريح سياق المؤلف. (حسن الكبسي).