هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام

صفحة 597 - الجزء 1

  (واجب بوجوبه) سواء كان سبباً أو شرطاً⁣(⁣١)، والسبب: هو ما يلزم من وجوده الوجود، والشرط: ما يلزم من عدمه العدم⁣(⁣٢)، سواء كان السبب شرعياً كالصيغة بالنسبة إلى العتق الواجب، أو عقلياً كالنظر المحصل للعلم، أو عادياً


(قوله): «واجب بوجوبه» أي: بوجوب الواجب المطلق، وهذا من المؤلف إشارة إلى أن ليس المراد بوجوب ما لا يتم الواجب إلا به أنه لا بد منه في الإتيان بالواجب المطلق، فهذا مما لا نزاع فيه كما ذكره ابن الحاجب، بل المراد أنه واجب بوجوبه، أي: مأمور به، أي: بذلك الأمر المتعلق بالواجب المطلق، يعني أن ذلك الأمر يفيده بمعناه كما يأتي للمؤلف في قوله: لا نسلمه فيما يتوقف عليه ... إلخ، فلا بد حينئذ من بيان دلالته عليه بإحدى الدلالات، فالذي في شرح الفصول للعلامة الجلال أن المراد بكونه واجباً بوجوب المطلق أنه يلزم منه لا أنه مدلوله الوضعي أو التضمني، كما أن الأمر بالشيء ليس نفس النهي عن ضده ولا يتضمنه وإنما يستلزمه، بل كما يلزم جواز الإصباح جنباً من جواز المباشرة إلى تبين الفجر، وذلك من أقسام المنطوق غير الصريح، فيكون المراد بقول المؤلف فيما يأتي: إنه يفيده بواسطة استلزام معناه، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

(قوله): «سواء كان سبباً» لعل ذكرهم الأسباب استيفاء لأقسام ما لا يتم الواجب إلا به لا لكونها من محل الخلاف؛ لأنه سيأتي أنها مجمع على وجوبها.

(قوله): «والسبب ما يلزم من وجوده الوجود» لم يتعرض لاستلزام عدمه لعدم الحكم كما في الفصول وشرحه للشيخ العلامة من أن السبب هو المؤثر وجوده في وجود الحكم وعدمه في عدمه سواء كان علة كالإسكار أو غير علة كالزوال، ومثله في شرح جمع الجوامع؛ وذلك لأن مراد المؤلف تمييز السبب عن الشرط والمانع، وقد حصل التمييز بما ذكر من استلزام الوجود للوجود، ويشمل ما يستلزم عدمه للعدم كما في بعض الأسباب وما لا يستلزم كما في حز الرقبة للقتل، فعليك بالتتبع لما يستلزم عدمه عدم الحكم منها ولما لا يستلزم.

(قوله): «والشرط ما يلزم من عدمه العدم» قال في الجواهر في بحث خطاب الوضع: ليس هذا حقيقة الشرط، وإلا لزم انتقاض حده بالعلة التامة؛ لأن عدم العلة التامة يستلزم عدم الحكم، والمختار أن يقال في تعريف الشرط: هو ما يستلزم نفيه نفي أمر آخر لا على جهة السببية، فتخرج العلة التامة والسبب وجزؤه.

(قوله): «كالصيغة» أي: لفظ الإعتاق «بالنسبة إلى العتق الواجب» عن كفارة أو نحوها، فإن الشارع جعل الصيغة سبباً لحصول العتق الواجب يلزم من وجودها وجوده، وينظر هل يلزم من عدمها عدم الحكم؟ فإن غير الصيغة كملك ذي الرحم مثلاً الظاهر أنه لا يحصل به العتق الواجب. وإنما قيد بالواجب ليدخل فيما نحن فيه، أعني في بحث ما لا يتم الواجب إلا به.

(قوله): «أو عقلياً» أي: ما يقضي العقل بسببيته، وقد بين في لطيف الكلام وجه سببية النظر للعلم.

(قوله): «كالنظر المحصل» أي: المولد «للعلم»، والمراد بالعلم هو العلم الواجب كالعلم بالله وصفاته =


(١) قال في شرح الجمع للزركشي: إن الأمر بالشيء هل يستلزم الأمر بسببه أو شرطه أو لا، ولذلك عبروا عنه بالمقدمة. (من خط سيدي العلامة أحمد بن محمد إسحاق، قال: عن خط المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم #).

(٢) ولا يلزم من وجوده الوجود ولا العدم.