هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام

صفحة 605 - الجزء 1

  به) من دونه لعدم الأمر به (فيصح) حينئذ، وذلك ينفي حقيقة الشرطية.

  (و) أما (غيره⁣(⁣١)) فإنه (يستلزم وجوبُه) بما وجب به الواجب (تعقلَه) أي:


= وقد ذكر بعض المحققين⁣[⁣١] من أهل الحواشي كلاماً أشار فيه إلى جواب هذا الإشكال. وتلخيص ما ذكره أن الواجب قد يكون أصلياً بأن يتعلق به الأمر أصالة وصريحاً، وقد لا يكون كالواجب لغيره كالوضوء، قال: ولا نزاع في أن مقدمة الواجب إذا تعلق بها أمر آخر صريحاً كالوضوء أنه واجب، إنما النزاع فيما لم يتعلق به صريحاً أمر آخر هل هو واجب بذلك الأمر المتعلق بما هو مقدمة له أم لا، فالكلام مفروض فيما لم يكن هناك أمر آخر تعلق بالمقدمة. قال: وهذا تحقيق ما أفاده السيد قدس سره هاهنا، يريد تحقيق ما عرفت من قول السيد المحقق: وليس هناك أمر آخر ... إلخ بأن المراد أنه ليس هناك أمر آخر يتعلق به صريحاً وأصالة. ثم قال: فإن قلت: هذا مردود بأنه لا معنى لشرطيته سوى حكم الشارع أنه يجب الإتيان به عند الإتيان بذلك الواجب، فيلزم أن كل شرط شرعي قد تعلق به أمر آخر مستفاد من شرطيته لذلك الواجب، فالشرط الشرعي الذي لم يتعلق به أمر آخر لم يكن متحققاً. قلت: الشرطية خطاب الوضع وليس صريح الأمر والإيجاب، يعني ليس خطاب الوضع صريحاً في الأمر وفي الإيجاب، فشرطية الشيء - أي: جعل الشيء شرطاً - ليست صريحة في الأمر بالشيء وفي إيجابه، بل تتضمن ذلك كما هو شأن خطاب الوضع، وقد تبين من هذا الجواب أن المراد بالأمر الصريح مقابل الضمني. ثم قال: فالخلاف في أن ما لم يتعلق به أمر آخر غير ما تعلق بمشروطه إذا كان شرطاً شرعياً هل يجب أم لا؟ وهل يكون جعله شرطاً له إيجاباً أم لا؟ ثم أورد على كون هذا الطرف الآخر من محل الخلاف أن ظاهر كلامهم في محل النزاع هو أن إيجاب المشروط بعينه إيجاب الشرط لا أن جعله شرطاً إيجاب له. ثم قال: وتوجيهه ظاهر؛ لأن مجرد جعل الشيء شرطاً لا يستفاد منه إيجابه ما لم يلاحظ كونه شرطاً للواجب، فلإيجاب الواجب مدخل في إيجابه إلا أنه غير مستقل في ذلك، بل لا بد من ملاحظة الشرطية، وظاهر أنه لم يقل أحد بأن مجرد إيجاب الواجب إيجاب للشرط الشرعي من غير مدخلية لجعل الشارع له شرطاً، كما أن مجرد الشرطية لم يكن إيجاباً للشرط؛ لتحققه في المندوب. فالتحقيق: أن من إيجاب الواجب وجعله مشروطاً بالشرط الشرعي لزوم [في الجواهر: لزم] إيجاب الشرط، وهذا هو مرادهم إذا قالوا: إيجاب المشروط إيجاب الشرط، هكذا حقق المقام. انتهى. فحينئذ يحمل قول السيد المحقق: وليس هناك أمر آخر ... إلخ على أن المراد أمر آخر يعرف بمجرده وجوب الشرط، وقول ابن الحاجب: لو لم يجب الشرط لم يكن شرطاً على أن المراد لم يكن الشرط بمجرد شرطيته شرطاً للواجب. هذا ما ظهر لي في تحقيق المقام، وهو من المضايق، والله أعلم.

(قوله): «وأما غيره» أي: وأما احتجاجه على عدم وجوب غير الشرط الشرعي، قد أورد المؤلف # لابن الحاجب على ذلك خمسة أوجه: أولها قوله: يستلزم وجوبه تعقله ... إلخ، ثم ميز كل واحد من باقيها بقوله: وأيضاً، فقوله: «يستلزم وجوبه» أي: غير الشرط الشرعي من العقلي والعادي وقوله: «تعقله» مفعول يستلزم، وهو مصدر مضاف إلى المفعول، وهو الضمير العائد إلى الغير، والفاعل محذوف، وهو الموجب بكسر الجيم، وقد أظهر المؤلف الفاعل بقوله: أي: تعقل الموجب، وضمير «له» هو الذي كان مضافاً إليه المصدر، واللام متعلقة بتعقل لا بالموجب، واللام لتقوية العامل الضعيف وإن تأخر معموله كما ذكره صاحب المغني، وإلا فمقتضى التعدي أن يقال: تعقل الموجب إياه.


[١] هو ميرزاجان.