فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  امتناع التصريح بعدم الوجوب في حق القادر ولا بطلان اللازم في حق العاجز؛ لأن امتناعه ثابت في حقه؛ لوجوبه عليه ضرورة.
  وأما الثالث: فلا نسلم لزوم العصيان بتركه في حق القادر، ولا عدمه في حق العاجز؛ لوجوبه في حقه بالضرورة.
  وأما الرابع: فقول أبي القاسم البلخي إنما يصح لو توقف ترك الحرام على فعل المباح، وليس كذلك؛ لجواز أن لا يتوقف على فعلٍ أو على فعلٍ غير مباح.
(قوله): «وحينئذ لا نسلم امتناع التصريح بعدم الوجوب» أي: بعدم وجوب غسل جزء من الرأس مع إيجاب غسل الوجه، وهذا منع للملازمة المشار إليها فيما تقدم بقوله: وأيضاً يستلزم امتناع التصريح ... إلخ؛ إذ تقدير الكلام فيما تقدم: لو استلزم وجوب غيره بما وجب به الواجب لامتنع التصريح ... إلخ، وعلى هذا التقدير بنى المؤلف قوله: ولا بطلان اللازم في حق العاجز.
(قوله): «لأن امتناعه» أي: امتناع التصريح بعدم الوجوب ثابت، فيمتنع في حق العاجز إيجاب غسل الوجه مع التصريح بعدم وجوب غسل جزء من الرأس.
(قوله): «لوجوبه» أي: وجوب غسل جزء من الرأس.
(قوله): «لوجوبه عليه ضرورة» قد تقدم أنه ثبت بالعادة، ولعل هذا في حق العاجز فقط، ولم يتعرض السعد وغيره لدعوى الضرورة فينظر. وقد أجيب عما ذكروه في الجواب عن الثاني من الفرق بين العاجز والقادر بأن قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ...} الآية [البقرة: ١٨٧] مصرح بعدم وجوب إمساك جزء من الليل في حق من أوجب عليه الصيام سواء كان قادراً على الصوم بدون إمساك جزء من الليل أو عاجزاً، وبهذا يجاب عما ذكروه في الجواب عن الثاني.
(قوله): «وأما الثالث» أي: الجواب عن الثالث.
(قوله): «لجواز أن لا يتوقف على فعل» أصلاً، لا على فعل المباح ولا على فعل غيره، «أو على فعل غير مباح» الظاهر أن المؤلف # يشير بهذا الجواب إلى ما ذكره فيما يأتي جواباً على أبي القاسم البلخي في بحث المباح، وهو أنا إن قلنا بجواز خلو القادر عن الأخذ والترك كما هو الحق كفى في الانتهاء عن الحرام عدم فعله من غير توقف على فعل ضد للحرام الذي من جملته فعل المباح. وإن قلنا بامتناع انفكاك القادر عن الأخذ الذي هو الفعل والترك الذي هو عبارة عن ضد ذلك الفعل فلا نسلم أن كل مباح واجب؛ لإمكان ترك الحرام بفعل غير مباح من واجب أو مندوب أو مكروه. ثم اعترض المؤلف فيما يأتي بأنه يلزم كون المباح واجباً مخيراً، والمدعى أصل الوجوب لا كون المباح واجباً معيناً. وأجاب بأن التخيير إنما يكون بين أمور معينة كالصوم والإعتاق مثلاً. إذا عرفت هذا فالمؤلف # أشار إلى الطرف الأول من الجواب بقوله: لجواز أن لا يتوقف على فعل، وإلى الطرف الثاني بقوله: أو على فعل غير مباح. قلت: وبعض المحققين[١] قرر الطرف الثاني بتقرير لا يرد عليه ما ذكر من لزوم كون المباح واجباً مخيراً؛ لأنه جعل الفعل المتوقف عليه ترك الحرام هو الكف لا فعل المباح. وحاصل ما ذكره أن ترك الحرام الذي يوصف بالوجوب هو الكف المكلف به في النهي كما هو الراجح، وهو فعل مغاير لسائر الأفعال الوجودية التي هي أضداد الحرام، ولا خفاء في أن الكف متوقف على القصد إلى الحرام أو على خطوره بالبال، =
[١] ذكره ابن أبي شريف في حواشي شرح المحلي نقلاً عن البرماوي، وذكره ابن الهمام في تحريره في مسألة المباح. (إسماعيل بن محمد بن إسحاق. ح).