فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  ولو قيل(١) بأن الشرط الشرعي لا يجب إلا بدليل منفصل، بخلاف سائر المقدمات التي يتوقف عليها الواجب فإنها تجب بوجوبه - لكان قوياً، فإن الشرط الشرعي(٢) لا يعرف كونه شرطاً إلا بدليل خاص يعرف وجوبه منه، بخلاف غيره(٣) من الأمور العقلية والعادية فإن معرفتها لا تتوقف على تعريف من جهة الشرع، فكان وجوبها مستفاداً من وجوب ما يتوقف عليها بالتبعية(٤).
(قوله): «فإن الشرط الشرعي لا يعرف كونه شرطاً إلا بدليل خاص ... إلخ» قد عرفت مما سبق أنه وإن سلم ذلك لم يعرف وجوبه من دليل الشرطية؛ لما تقدم أن مجرد شرطيته لا يفيد وجوبه ما لم يلاحظ كونه شرطاً للواجب.
(قوله): «فكان وجوبها مستفاداً من وجوب ما يتوقف عليها ... إلخ» ينظر هل يلزم[١] من عدم التوقف على التعريف من جهة الشرع استفادة وجوبها من وجوب المشروط ودلالته عليها ... إلخ؛ فإنه لو ادعي العكس كما في الشرط الشرعي لم يبعد.
(١) هذا نظر متين، وتحقيق بالقبول قمين، فلله در المؤلف قدس الله روحه. (من خط سيدي العلامة عبدالقادر بن أحمد |).
(٢) يقال: إذا عرف كون الوضوء شرطاً في الصلاة بدليل خاص ثم أوجب الشارع الصلاة ساكتاً عن الوضوء فإنه لا يعرف من الدليل الخاص إلا كونه شرطاً لها، وأما الوجوب فلا يعرف إلا من وجوب الصلاة بعد معرفة كونه شرطاً فيها بالدليل الخاص. (من خط العلامة أحمد بن عبدالله الجنداري |).
(*) يقال: لو لم يرد في الوضوء إلا قوله ÷: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به)) لم يجب بهذا اللفظ، وإنما يجب بكون الصلاة لا تتم إلا به فينظر. (من خط العلامة الجنداري أيضاً).
(٣) كأنه أراد بالغير ما عدا السبب الشرعي كما يدل على ذلك بيانه بقوله: من الأمور ... إلخ فإن الظاهر عدم الفرق بين الشرط الشرعي والسبب الشرعي فتأمل.
(٤) قال في الفواصل شرح نظم الكافل في آخر تقرير هذه المسألة: واعلم أن هذه المسألة قد طالت بلا طائل وإن أوردها كل إمام فاضل، فهي قليلة الجدوى كثيرة الدعوى، كما أفاده شيخنا الناظم؛ لأنه لا يكون الشرط شرطاً والسبب سبباً إلا بدليل مستقل دال على الشرطية والسببية، كشرطية الطهارة للصلاة مثلاً، فإنه لا سبيل إلى دعوى كون الطهارة شرطاً من دون أن يأتي دليل آخر يدل على الطهارة عند الصلاة فيفيد شرطيتها. وغاية ما يستفاد من كلام الجمهور أنه يكون دليل المشروط شاملاً للشرط، ولكن هذا إنما يتم بعد معرفة كون الشيء شرطاً أو سبباً، فهو قرينة على شمول دليل المشروط والمسبب، وقد أغنى الله سبحانه من اللجاج في إثباته بدليل المشروط بالدليل المطابقي، وعلى كل حال فلا جدوى للمسألة، على أن ترجمتها بما ذكروه فيه خفاء، والأوضح أن يقال: (ما لا يتم الواجب إلا به يجب بدليل أصله) كما يقتضيه تحرير محل النزاع، هذا خلاصة كلام شيخنا في المقام. انتهى باللفظ.
[١] يحقق التنظير وآخر القولة إن شاء الله، فهو بمعزل عن إرادة المؤلف. (ح عن خط شيخه). لعله أراد - مع بعده - أن قول المؤلف: فكان وجوبها ... إلخ مسبب وملزوم لما ذكره في قوله: فإن معرفتها لا تتوقف ... إلخ، وذلك لأنه إذا قد تحقق وجوب المقدمة العقلية والعادية وأنه لم يكن من جهة الشرع لم يكن مستفاداً إلا من وجوب المشروط كما ذلك ظاهر. واعترضه المحشي بأنه لو ادعي العكس - وهو توقف الوجوب من جهة الشرع مستفاداً من وجوب المشروط كما قرر في الشرط الشرعي - لم يبعد. هذا ما أمكن من فهم مراده، والله أعلم. (لسيدي حسن الكبسي. ح).