فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  والثاني: ما استلزم عدمه عدم سبب الحكم كذلك(١)، وحاصله: أن في عدمه حكمة تنافي حكمة السبب، كالإحصان في سببية الزنا للرجم، فإن الحكمة في
(قوله): «كذلك» أي: القسم الأول في هذا الاستلزام، لكن لما كان هذا يستلزم عدم السبب، والأول يستلزم عدم الحكم، والحكمة في ذلك تنافي حكمة الحكم، وفي هذا تنافي حكمة السبب - قال: وحاصله، أي: حاصل التشبيه أنهما سيان في المنافاة للحكم وإن كان هذا بواسطة منافاته للسبب وذلك بغير واسطة، ويحتمل أن يكون التشبيه في كون كل منهما كالمانع وإن كان الأول كمانع الحكم وهذا كمانع السبب المتقدم، ويحتمل أن التشبيه بمانع السبب المتقدم، وتدل على ذلك الإشارة بما للبعيد.
(قوله): «أن في عدمه حكمة» وهي كثرة الإتلاف[١] «تنافي حكمة السبب» وهي الزجر.
(قوله): «كالإحصان» فإنه شرط في كون الزنا سبباً، يلزم من عدمه عدم كون الزنا سبباً للرجم، وقد عرفت أن عدمه مانع[٢]، فيستلزم حكمة تنافي حكمة السبب، فلا بد من بيان حكمتين: حكمة في السبب وهو الزنا، وقد بينها المؤلف # بأنها الزجر عن ارتكاب ما يوجب اختلاط الأنساب، وحكمة في عدم الشرط تنافي حكمة السبب، ولم يظهر من كلامه # بيان الحكمة في عدم الشرط المنافية لحكمة السبب، ولا بد من ذلك.
وأما قوله: «ولو اعتبرت» أي: سببية الزنا «من دون إحصان ... إلخ» فإنما هو بيان لتوقف سببية الزنا على شرطه، وهو الإحصان، فهو بيان لأمر آخر غير ما نحن فيه. وقد مثل ذلك في شرح المختصر وحواشيه بالطهارة في الصلاة، قالوا: فالحكم وجوب الصلاة، وسببه تعظيم الباري، وحكمة السبب رعاية حق الأدب، والشرط الطهارة، وعدمها مشتمل على حكمة، وهو سوء الأدب، وهذه الحكمة تنافي تعظيم الباري وحكمته. قلت: وكأن المؤلف لم يستحسن هذا المثال؛ لأن الطهارة شرط في الصحة، وهي أمر عقلي، لا في الوجوب؛ إذ لا ينتفي وجوب الصلاة بانتفائها؛ فلذا تجب على المحدث، بل على الكافر، فإن المختار أنه مخاطب بالشرعيات، فينظر في مثاله، والله أعلم.
(١) أي: وصف ظاهر ... إلخ، وقوله: «وحاصله» أي: حاصل كون الثاني كذلك.
[١] ينظر في جعله لكثرة الإتلاف حكمة لعدم الشرط؛ إذ هي ما يلزم من جعل الزنا سبباً من غير شرطية الإحصان له من المفسدة، فالظاهر أن يقول: وهي عدم كثرة الإتلاف، مع كونه غير نقيض لحكمة السبب، وهي الزجر عن ارتكاب ما يوجب اختلاط الأنساب، وأيضاً الحكمة شأنها أن تكون مقصودة ومرادة للشارع كما في مثل الأبوة المانعة من قتل الأب بالابن، فإن حكمتها - وهي كون الأب سبباً لوجود الابن تقتضي أن لا يكون الابن سبباً لعدمه - مقصودة للشارع. وأيضاً لو كان عدم الكثرة[٠] حكمة لعدم الإحصان لتوجه النفي المستفاد من العدم إلى القيد الزائد، وهو كثرة الإتلاف، وبقي الإتلاف، ولا إتلاف مع عدم الإحصان. قال شيخنا حماه الله ما معناه: إنه لو قيل في هذا مثال الرجم: إن الزنا المشروط بالإحصان سبب لوجوب الرجم، وحكمته أن الزاني المحصن مع الإحصان داعي الشهوة معه ضعيف بالنسبة إلى غير المحصن، فإذا وقع منه الزنا زجر بأبلغ زجر، وهو القتل على وجه بليغ في العقوبة، وهو الرجم، فإذا عدم شرط السبب - وهو الإحصان - كان مانعاً لسببية الزنا للرجم واقتضى حكمة، وهي أن الزنا [الزاني (ظ)] مع عدم الإحصان داعي الشهوة معه قوي فيزجر زجراً غير بليغ، وهو الضرب، ولا خفاء في أن هذه الحكمة نقيضة لتلك الحكمة فتأمل، فكلام القاضي لا يخلو عن إشكال. (ح عن خط شيخه).
[٠] الذي ذكره سيلان هو الكثرة لا عدمها.
[٢] يقال: إذا كان عدم الشرط مانعاً عن الوجوب فهو حكم حكمته تنافي الوجوب، فعدم الحول مانع عن الوجوب حكمته الإضرار بذي المال لتنافي مواساة الفقراء؛ إذ تحققها من حيث لا إضرار بذي المال، هذا ما أفاده كلام المؤلف. (حسن بن يحيى. اهـ من خط العلامة أحمد بن محمد).