فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
= فالمؤلف # قيد أولاً بالمعاملات كما في شرح المختصر، وصرح ثانياً بصحة اتصاف العبادات بذلك كما هو مقتضى إطلاق ابن الحاجب إشارة إلى أنه لا خلل في التقييد ولا في الإطلاق، فعبارته # كذلك لا خلل فيها، أما الإطلاق فلصحة اتصاف الفساد في العبادات بمشروعية الأصل لا الوصف، وأما التقييد فلأن الخلاف في كون الفساد واسطة إنما هو في المعاملات لا في العبادات؛ لأن المشروع بأصله لا وصفه فيها ليس بواسطة، بل هو صحيح عند الحنفية؛ لترتب سقوط القضاء، وبهذا يعرف حكم المؤلف # هنا بفساد صوم يوم النحر أولاً وبصحته عندهم ثانياً، أما الفساد فمعناه اتصافه بكونه مشروعاً بأصله لا وصفه، وأما الصحة فمعناها ترتب سقوط القضاء عليه، وما ذكرنا هو خلاصة ما في الجواهر، وذلك أن شارح المختصر لما قيد كلام ابن الحاجب بالمعاملات اعترضه السعد بأنه لا يخلو عن خلل حيث أطلق ابن الحاجب تفسير الحنفية للفاسد وخصه الشارح بالمعاملات، فدفع صاحب الجواهر هذا الاعتراض بأن الصحة عند الحنفية إن كانت في العبادات تفسر بكون الفعل [مسقطاً للقضاء، وإن كانت في المعاملات تفسر بكون الفعل[١]] سبباً لترتب ثمراته عليه شرعاً، قال: والشافعية يوافقونهم في هذا الاصطلاح. قال: وربما فسروا الصحة بالمشروع بأصله ووصفه، وهذا التعريف جامع لصحة الأحكام في العبادات والمعاملات، ولا خلاف في أن الفساد واسطة بين الصحة والبطلان على هذا الاصطلاح[٢]، أعني شرع الأصل لا الوصف، إنما الخلاف في كونه واسطة بينهما على الاصطلاح المتوافق عليه، أعني كون الفعل سبباً لترتب ثمراته عليه شرعاً، قال: فعند الشافعية ليس واسطة بينهما، بل الفساد يرادف البطلان، وعند الحنفية واسطة بينهما في المعاملات خاصة، كالبيع الفاسد لكونه مشتملاً على زيادة في أحد الطرفين في الربويات أو مشروطاً بما لا يقتضيه العقد، فإنه ليس باطلاً لانعقاده، إلى آخر ما ذكره المؤلف #، وآخره قوله: ومسقط لقضائه. ثم قال في الجواهر: فقيد الشارح الفاسد بالمعاملات تنبيهاً على أنها محل الخلاف في كون الفساد واسطة بين الصحة والبطلان بالنظر إلى الاصطلاح المتفق عليه، أعني ترتب الآثار [بخلاف الفاسد في العبادات فإن الفساد ليس واسطة بين الصحة والبطلان عندهم أيضاً بالنظر إلى اصطلاح المتفق عليه اتفاقاً[١]]، ولما توقف كون الفساد واسطة بين الصحة والبطلان على تفسير الصحة في المعاملات ذكر الشارح تفسيرها، فظهر بما ذكرنا أنه لا خلل في كلام المصنف والشارح المحقق في هذا المقام بذكر القيد كما فعل المحقق[٣] وتركه كما فعل ابن الحاجب، بل كل من التقييد والإطلاق بالنظر إلى اعتبارٍ يقتضيه المقام. انتهى. والحاصل أن الصحة إن فسرت بشرع الأصل والوصف فلا خلاف في أن الفساد واسطة، وإنما الخلاف فيما اتصف بشرع الأصل لا الوصف هل يكون في المعاملات بالنظر إلى التفسير الأول للصحة - أعني ترتب الآثار - واسطة أو لا؟ فقالت الشافعية: لا يكون واسطة، بل يكون باطلاً لا يترتب عليه شيء. وقالت الحنفية: ما اتصف بذلك إن كان في المعاملات فهو واسطة بالنظر إلى التفسير الأول، وهو المراد بقول المؤلف # نقلاً عن الجواهر: كما في البيع المشتمل على زيادة ... إلخ. وإن كان في العبادات فليس بواسطة اتفاقاً، لكن عند الحنفية لكونه صحيحاً بالتفسير الأول للصحة، أعني ترتب الآثار، وعند الشافعية لكونه باطلاً كما عند جمهور أئمتنا $، فظهر معنى قول المؤلف #: ولو كان شيء منها ... إلخ، يعني ولو وجد في شيء منها الاتصاف بمشروعية الأصل لا الوصف. وظهر أن المراد بقوله #: فإنه فاسد أنه متصف بمشروعية الأصل لا الوصف، وأشار إلى ذلك نقلاً عن الجواهر بقوله: لكونه مشروعاً بأصله ... إلخ، فلا ينافي قول المؤلف # بعد ذلك: بل هو صحيح ... إلخ. وأما إطلاق السعد لفساد الأيام المنهية فأراد اتصافها بمشروعية الأصل لا الوصف، ولم يذكر كونها صحيحة بمعنى ترتب الآثار عليها لعدم تعرض شارح المختصر لتفسير الصحة به حتى يحكم بأنها صحيحة باعتباره عند الحنفية، فتأمل فالمقام من مزالق هذا الكتاب، والله أعلم.
[١] ما بين المعقوفين في الموضعين من الجواهر.
[٢] في المطبوع: على هذا الأصل. والمثبت من الجواهر.
[٣] قلت: أو بالجمع بين التقييد والإطلاق كما فعل المؤلف #. (منه ح).