فصل: [المحكوم فيه]
  ثم إن القائلين بالجواز اختلفوا في وقوعه على مذاهب: أحدها: نفيه مطلقاً سواء كان ممتنعاً لذاته أم لا.
  ثانيها: إثباته مطلقاً، وهو اختيار الرازي.
  ثالثها: النفي فيما امتنع لذاته والإثبات في غيره، وهو اختيار جمهورهم.
  وقد اختلف نقل أصحاب الشيخ أبي الحسن الأشعري عنه في الوقوع وعدمه.
  وقد شمل ما عدا التفصيلين(١) من هذه الأقوال قوله: (يمتنع التكليف بما لا يطاق، وقيل: جائز غير واقع، وقيل: واقع).
  ثم إن المانعين مطلقاً فريقان: قائل بأن قبح التكليف بما لا يطاق معلوم بالضرورة(٢) فلا يحتاج إلى استدلال، وقائل باحتياجه إلى الاستدلال.
  فقال الأولون: قد حصل العلم الضروري بقبح ذلك في حق المخلوق والخالق، فإن من كلَّف الأعمى بنقط المصحف أو من لا جناح له بالطيران عد تكليفه سفهاً وسخفاً، وذُمّ عند العقلاء، وما ذاك إلا لكونه تكليفاً بما لا يطاق،
(قوله): «فقال الأولون ... إلخ» هذا الاستدلال مبني على التحسين، والغزالي وابن الحاجب لا يقولان به، فيكون المراد بالأولين من لا يقول به.
(١) اللذين هما مذهب الآمدي في الجواز ومذهب الجمهور في الوقوع.
(٢) وهو قول أبي الحسين البصري وغيره. اهـ
قد يقال: كيف يقولون: إنه معلوم بالضرورة لا يحتاج إلى الاستدلال وقد استدلوا عليه بقوله: فقال الأولون ... إلخ؛ إذ هو استدلال منهم على قبحه، فهذا تناقض، ويمكن أن يقال: إن قوله: فقال الأولون ... إلخ بيان وتوضيح لما حصل بالعلم الضروري، والله أعلم.
(*) في حاشية شرح العقائد: قيل: إن العقل كالنقل يدل على أن التكليف بما ليس في الوسع غير جائز؛ لأن فائدة وجوبه إما الأداء كما هو مذهب المعتزلة أو الابتلاء كما هو مذهبنا، ولا يتصور الأداء والابتلاء في العاجز، أما الأداء فظاهر، وأما الابتلاء فإنما يتصور في أمر لو أتى به يثاب، ولو امتنع يعاقب عليه، وذلك إنما يتصور في الممكن دون الممتنع.