هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: [المحكوم فيه]

صفحة 680 - الجزء 1

  فيجب قبحه أيضاً في حق الله تعالى؛ لحصول العلة الموجبة لقبحه.

  قال الحاكم⁣(⁣١): التكليف بما لا يطاق على سبيل الجملة معلوم قبحه ضرورة، واشتباهه على بعض العقلاء في بعض الأعيان لعارض لا يمنع من ذلك، بل يستدل عليه بالرد إلى ما لا اشتباه فيه.

  واحتج الآخرون بأدلة: منها: أن المحال لا يمكن وجوده في الخارج من المكلف⁣(⁣٢)، وكل ما لا يمكن وجوده في الخارج من المكلف لا يطلب، فالمحال لا يطلب، أما الصغرى فضرورية، وأما الكبرى فلأن الطلب عبث قبيح لا يجوز على الله تعالى كما تقرر في مسألة الحسن والقبح.

  ومنها: ما احتج به ابن الحاجب في مختصر المنتهى، ولكنه لا يوافق عموم الدعوى كما لا يخفى. وقد اسْتُدِلَّ هنا بالسمع، مثل قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ


(قوله): «واحتج الآخرون» أي: القائلون باحتياجه إلى الاستدلال، وهذا الاستدلال أيضاً مبني على التحسين.

(قوله): «منها أن المحال» أراد بالمحال هنا ما امتنع لذاته أو لغيره؛ لينطبق هذا الدليل على الدعوى.

(قوله): «ومنها: ما احتج به ابن الحاجب» وهو قوله: لنا لو صح التكليف بالمستحيل لكان المستحيل مستدعى الحصول، واللازم باطل ... إلخ، وسيذكره المؤلف # في حجة المفصلين.

(قوله): «ولكنه» أي: ما احتج به «لا يوافق عموم الدعوى⁣[⁣١]» لأن احتجاجه خاص بالمستحيل، ودعواه عام له وللمتنع لغيره؛ بناء على أن ابن الحاجب قائل بأنه لا يجوز التكليف بالممتنع مطلقاً سواء كان مستحيلاً أو ممتنعاً للغير كما هو مقتضى رواية المؤلف عنه سابقاً، وقد عرفت أن ابن الحاجب إنما يقول بعدم جواز التكليف بالمستحيل، فدليله مطابق لدعواه.

(قوله): «وقد استدل هنا بالسمع» المستدل هو صاحب التنقيح.


(١) هو المحسن بن كرامة الجشمي.

(٢) ينظر في وجه التقييد بقوله: من المكلف. اهـ قد يقال والله أعلم: إنه لما كان البحث هاهنا في طلب الفعل من المكلف وإيجاده إياه لا في إيجاده مطلقاً حسن التقييد بما ذكر، وكان عليه حينئذ أن يقول في كبرى الشكل والنتيجة: وكل ما لا يمكن وجوده في الخارج من المكلف لا يطلب من المكلف، فالمحال لا يطلب من المكلف، ويصرح بذلك، والله أعلم.


[١] قول ابن الإمام: «لا يوافق عموم الدعوى» وذلك لأن ابن الحاجب قال: شرط المطلوب الإمكان، ثم ساق الأقوال ثم قال: لنا، ثم ساق الدليل الذي ذكره المؤلف هاهنا، فما ذكره القاضي حسن سيلان | من أن احتجاج ابن الحاجب مطابق لدعواه - إذ هو لم يمنع إلا التكليف بالممتنع لذاته - مدفوع؛ إذ هو مصرح بأن شرط المطلوب الإمكان، وأنت خبير بأن الممتنع لغيره غير ممكن، والله أعلم. (لسيدي أحمد بن إسحاق |).