هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: [المحكوم فيه]

صفحة 681 - الجزء 1

  اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا(⁣١)}⁣[البقرة: ٢٨٦]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}⁣[الطلاق: ٧]، وهو وهم؛ لأن السمع إنما ينفي الوقوع لا الجواز العقلي⁣(⁣٢).

  احتج القائلون بالجواز مطلقاً: بأنه لو امتنع⁣(⁣٣) لكان لتعذر حصوله؛ إذ لا مانع يقدر سواه، لكنه غير مانع في حقه تعالى؛ لأنه إنما يمتنع⁣(⁣٤) الأمر بما لا يقدر عليه المكلف إذا كان غرض الآمر حصول المأمور به، وحكمه تعالى لا يستدعي غرضاً البتة، فورود الأمر بالمحال ليس لطلبه، بل إن كان ممتنعاً لذاته فالأمر به للإعلام بأنه معاقب لا محالة؛ لأن له تعالى أن يعذب من يشاء، وإن كان ممتنعاً لغيره فالأمر به لفائدة الأخذ في المقدمات.


(١) قال السيوطي في الإكليل: دلت على منع تكليف ما لا يطاق. اهـ

وقال السعد: وقد يستدل بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٦] على نفي الجواز، وتقريره أنه لو كان جائزاً لما لزم من فرض وقوعه محال؛ ضرورة أن استحالة اللازم توجب استحالة الملزوم تحقيقاً لمعنى اللزوم، لكنه لو وقع لزم كذب كلام الله، وهو محال. اهـ وقد اعترف الرازي في تفسيره أن الآية تدل على نفي الجواز في آخر سورة البقرة فلا وهم.

(٢) ذكر في التلويح أن التكليف بما لا يطاق غير جائز لوجهين: أحدهما: أن التكليف بالشيء واستدعاء حصول ما لا يمكن حصوله سفه فلا يليق بالحكيم؛ بناء على الحسن والقبح العقليين.

والثاني: أنه مما أخبر الله بعدم وقوعه في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٦]، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}⁣[الحج: ٧٨]، وكل ما أخبر الله بعدم وقوعه لا يجوز أن يقع، وإلا لزم إمكان كذبه، وهو محال، وإمكان المحال محال، فبهذا الطريق يمكن الاستدلال بالآية على عدم الجواز، وإلا فالظاهر منها الدلالة على عدم الوقوع دون عدم الجواز. اهـ كلام التلويح. أقول: لعل المصنف لم يلتفت إلى هذا التوجيه؛ لأنه مبني على كون الممكن يخرج عن الإمكان بإخبار الله بعدم وقوعه، وهو باطل كما أوضحه المؤلف فيما بعد وقرره وأقر به العضد في شرح المختصر وأتباعه، واعترف به السعد أيضاً في التلويح حيث قال: وأجيب بأن علم الله تعالى بعدم إيمان أبي لهب لا يخرجه عن الإمكان، إلى آخر كلامه. (من خط السيد صلاح بن الحسين الأخفش |).

(٣) يعني التكليف بما لا يطاق.

(٤) في المطبوع: امتنع.