فصل: [المحكوم فيه]
  والجواب: تسليم أن المانع التعذر ولا مانع سواه، وأما كون حكمه تعالى لا يستدعي غرضاً البتة فإن أردت به غرضاً يعود على الآمر من نفع أو دفع فهو مسلم ولا يضرنا، وإن أردت به ما يعود على المأمور من المصالح فهو ممنوع؛ للقطع بأن أحكامه تعالى مراعى فيها المصالح، وبالجملة فهذا الاحتجاج مبني على إبطال التحسين والتقبيح، وقد عرفت ثبوتهما، ولما كانت هذه المسألة ومستنداتها مبنية على مسألة التحسين والتقبيح إثباتاً ونفياً حسن إهمال المتن لما أوردناه هنا من الاستدلال.
  احتج المفصلون: أما على الجواز في الممتنع لغيره فبما احتج به المجيزون مطلقاً(١)، وأما على المنع في الممتنع لذاته فبأنَّ كلَّ مكلَّفٍ به مطلوبٌ حصولُه(٢) ضرورةً، وكلُّ مطلوبٍ حصولُه مُتَصَوَّرٌ، فَكُلُّ مكلَّفٍ به مُتَصَوَّرٌ، ولا شيء من المستحيل لذاته بِمُتَصَوَّرٍ(٣)، فلا شيء من المكلَّف به بمستحيلٍ لذاته، وهو المطلوب.
(قوله): «تسليم أن المانع التعذر ... إلخ»: أي: تسليم الملازمة وما ذكر في بيانها أيضاً، لكن ما ذكر في بيان بطلان اللازم من أن التعذر غير مانع؛ لأنه إنما يكون مانعاً لو كان للآمر غرض ... إلخ - ممنوع بأنه إن أريد لا غرض يعود إليه تعالى ... إلخ، وحينئذ تتم الملازمة القائلة بأنه لو امتنع لكان لتعذر حصوله، فإن تعذر الحصول مانع؛ إذ لا غرض يعود إلى المأمور مع تعذر الحصول، وأحكامه تعالى مراعى فيها المصالح، وهذا مبني على التحسين أيضاً، ولذا قال المؤلف #: وبالجملة فهذا الاحتجاج ... إلخ.
(قوله): «وكل مطلوب حصوله متصور ... إلخ» هذه كبرى الشكل الأول، ونتيجته قوله: فكل مكلف به متصور.
و (قوله): «ولا شيء من المستحيل لذاته بمتصور» هذه كبرى الشكل الثاني، وصغراه نتيجة الشكل الأول، فقد بين هذا الاستدلال بالضرب الأول من الشكل الأول وبالضرب الأول من الشكل الثاني؛ إذ الضرب الأول من الشكل الأول من موجبتين كليتين فتنتج موجبة كلية، وهي: فكل مكلف به متصور، ثم تجعل هذه النتيجة صغرى للضرب الأول من الشكل الثاني فيكون من موجبة كلية صغرى وسالبة كلية كبرى تنتج سالبة كلية.
وبيانه بعكس الكبرى ليرتد إلى الشكل الأول، فينتج ما ذكره المؤلف #، بأن نقول: كل مكلف به متصور، ولا شيء من المتصور بمستحيل، ينتج ما ذكره، وهو: لا شيء من المكلف به بمستحيل لذاته، وهو المطلوب، فبان قول المؤلف #: أما كبرى الشكل الأول، وقوله: أما كبرى الشكل الثاني ... إلخ، وبان وجه إنتاجه ما ذكره.
(١) من أن الأمر به لفائدة الأخذ في المقدمات.
(٢) هذا هو الدليل الذي استدل به ابن الحاجب على امتناع التكليف بما لا يطاق سواء كان ممتنعاً لذاته أو لا، وقد عرفت أنه لا ينطبق على الدعوى كما ذكره المؤلف.
(٣) لا يقال: لا حجر في التصور، فيجوز أن يتصور وقوع المحال؛ لأن المراد تصوره على وجه يجوز وقوعه في الخارج لا على سبيل فرض المحال. (شرح التحرير).