فصل: [المحكوم فيه]
  لأن الحكم بثبوت شيء لشيء وتصوره فرع لثبوت ذلك الشيء وتصوره قطعاً - مدفوع بأنه تُصُوِّرَ واقعاً على طريق التشبيه بالجمع بين المختلفين(١) كالسواد
= واعلم أن الحكم في عبارة المؤلف # مراد به العلم، أي: التصديق، وكذا في عبارة الجواهر حيث قال: إذ الحكم بثبوت صفة الشيء فرع تصور ذلك الشيء. فتكون عبارتهما كعبارة شرح المختصر حيث قال: والعلم بثبوت الصفة للشيء فرع تصور ذلك الشيء. لأن المؤلف # زاد لفظ تصوره الأول، أي: تصور ثبوت شيء لشيء، يعني تصور النسبة، وهي الثبوت، ولو حذفه كما في عبارة شرح المختصر والجواهر لم يختل الاستدلال، لكنه # أورده زيادة تقرير من حيث إن الفرعية حصلت[١] لأمرين: أحدهما: التصديق بثبوت شيء لشيء. والثاني: تصور ذلك الثبوت، أعني النسبة؛ إذ لا يحصل تصورها إلا بعد تصور طرفيها، فضمير «تصوره» عائد إلى الثبوت لا إلى «شيء» الأول الذي هو عبارة عن الاستحالة كما لا يخفى، ولا إلى «شيء» الآخر الذي هو عبارة عن اجتماع الضدين؛ لأنه يلزم منه تفرع الشيء على نفسه فتأمل. وقد زاد المؤلف # أيضاً على عبارتهما قوله: «لثبوت ذلك الشيء»، والمراد اجتماع الضدين في الواقع من غير ملاحظة تصوره، ولو حذف هذه الزيادة لكان أولى؛ لعدم الحاجة إليها، والله أعلم.
(قوله): «مدفوع ... إلخ» تقرير هذا الدفع متوقف على إيراد عبارة شراح كلام ابن الحاجب في هذا السؤال.
وبيان ذلك: أنهم قالوا: لو لم يتصور اجتماع الضدين لم يمكن الحكم باستحالة الجمع بينهما، وبينوا هذه الملازمة بما ذكره المؤلف # من قوله: لأن الحكم ... إلخ، لكن قد بطل اللازم؛ لأنا حكمنا بالاستحالة، فيلزم بطلان الملزوم.
فقول المؤلف #: من أن الحكم على اجتماع الضدين ... إلخ إشارة إلى بطلان اللازم في تلك الملازمة. وقوله: لأن الحكم ... إلخ إشارة إلى ما ذكروه في بيان تلك الملازمة، فيكون حاصل هذا الدفع كما أشار إليه في الجواهر[٢] تسليم الملازمة في قولهم: لو لم يتصور لم يمكن الحكم باستحالة الجمع بين الضدين أو منع[٣] بطلان اللازم. وتحقيقه: أن الممتنع هو تصور المستحيل واقعاً؛ لاقتضائه تصور ماهيته فيلزم الخلف كما عرفت، وأما تصوره للحكم عليه بالاستحالة فليس بممتنع؛ إذ لا يقتضي إلا تصوره باعتبار من الاعتبارات، وذلك بأن يتصوره على طريق التشبيه كما ذكره المؤلف #. فقوله: لو لم يتصور ... إلخ إن أرادوا تصوره بماهيته منعنا الملازمة، وإن أرادوا تصوره ولو باعتبار من الاعتبارات فالملازمة مسلمة[٤] وبطلان اللازم ممنوع؛ إذ تصوره للحكم إنما هو باعتبار من الاعتبارات. فقول المؤلف #: «بأنه» أي: المستحيل «تصور واقعاً» لم يرد به أنه تصور ثابتاً في نفسه؛ لأنه يلزم منه الخلف المذكور فينافيه التقييد بقوله: على طريق التشبيه؛ فإن ثبوته على طريق التشبيه ليس مقتضياً لثبوت ماهيته واقعاً، بل أراد أن تصوره كائناً على طريق التشبيه ... إلخ، فهو بمثابة قولهم: إنه تصور باعتبار من الاعتبارات.
(١) والحاصل أن الذي لا وجود له في الخارج وأنت قصدت الحكم عليه بنفي الوجود مثلاً لا يحتاج إلى تصور مورد النفي على وجه يجوز ثبوته في الخارج، بل يكفيك تصوره على وجه الفرض، فإذا قصدت أن تحكم على الضدين بنفي الاجتماع تتصور لهما اجتماعاً كاجتماع المختلفات الغير المتضادة ثم تنفيه. (شرح تحرير).
[١] أما مع تفسير الحكم بالعلم التصديقي فلا يخفى عدم الفائدة فيه؛ إذ لا يحصل التصديق إلا بعد تصور الطرفين والنسبة فتأمل. (ح عن خط شيخه).
[٢] ينظر ما في الجواهر؛ فإن آخر كلام القاضي هنا يشعر بأن حاصل الدفع إما تسليم الملازمة مع منع بطلان اللازم أو منع الملازمة فتأمل. (ح عن خط شيخه).
[٣] لفظ الجواهر: قلنا: الملازمة مسلمة لكن لا نسلم انتفاء اللازم.
[٤] يعني ولا يضرنا التسليم؛ إذ لم نمنع إلا تصوره بماهيته لا بأي اعتبار. (حسن بن يحيى عن خط العلامة أحمد بن محمد).