فصل: [المحكوم فيه]
  والحلاوة، فهو بالحقيقة حكم بأن النقيضين لا يمكن أن يثبت لهما مفهوم كمفهوم اجتماع المختلفين.
  وأما ما استدل به المختلفون في الوقوع فالنافون بنحو قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا(١)}[البقرة: ٢٨٦]، ووجه الدلالة ظاهر، والوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه. ومنه يعرف أن الله تعالى نفى وقوع التكليف بما لا يطاق وبشيء مما يطاق مما فيه حرج وضيق.
  والمثبتون بقوله(٢): (لتكليف أبي لهب(٣) بتصديقه ÷ في جميع ما
(قوله): «فهو بالحقيقة حكم ... إلخ» يعني ليس المراد بالجمع المنفي عن الضدين اجتماع ماهيتهما حقيقة، بل الجمع المنفي عنهما هو المفهوم المشبه بمفهوم اجتماع المختلفين، وذلك متصور.
(قوله): «بأن النقيضين» الكلام مسوق في الضدين، فلو قال: إن الضدين لكان أنسب.
(قوله): «والمثبتون بقوله ... إلخ» ظاهره أن هذا التقرير شامل لحجية القائلين بالوقوع مطلقاً في الممتنع لذاته ولغيره، وقد صرح المؤلف بذلك فيما يأتي حيث قال: وهذه الشبهة يشترك فيها ... إلخ، وليس كذلك[١]؛ فإن هذا التقرير - أعني كون تكليف أبي لهب من الجمع بين النقيضين - إنما هو في الممتنع لذاته. لا يقال: إذا ثبت الوقوع في الممتنع لذاته ثبت في الممتنع لغيره بالأولى؛ لأنا نقول: الأولوية لا يثبت بها الوقوع كما لا يخفى، إنما يثبت بها أولوية الوقوع فقط.
(١) الوسع: ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه، أي: لا يكلفها إلا ما يتسع فيه طوقه ويتيسر عليه دون مدى الطاقة والمجهود، وهذا إخبار عن عدل الله ورحمته، كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، لأنه كان في إمكان الإنسان وطاقته أن يصلي أكثر من الخمس، ويصوم أكثر من الشهر، ويحج أكثر من حجة. (كشاف).
(٢) في المطبوع: بنحو قوله.
(٣) جواب الشبهة لأبي لهب في المختصر وشرحه: الجواب أنهم كلفوا بتصديقه، وأنه ممكن في نفسه متصور وقوعه، إلا أنه مما علم الله أنهم لا يصدقونه، لعلمه[٢] بالعاصين، وإخباره لرسوله كإخباره لنوح بقوله: {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}[هود: ٣٦]، لا أنه أخبرهم بذلك، ولا يخرج الممكن عن الإمكان بعلم أو خبر. نعم، لو كلفوا بالإيمان بعد علمهم بإخباره بأنهم لا يؤمنون لكان من قبيل ما علم المكلف امتناع وقوعه منه، ومثل ذلك غير واقع؛ لأنه يوجب انتفاء فائدة التكليف، وهو الابتلاء؛ لاستحالته منهم لما ذكرتم، ولذلك لو علموا لسقط عنهم التكليف.
(*) قال ابن الهمام في التحرير: قولُهم: وقع، كلف أبو لهب بالتصديق بما أخبر، وأخبر أنه لا يصدقه =
[١] بناء الاشتراك الذي بنى عليه المؤلف على اختلاف الاعتبار. (ح عن خط شيخه). كما صرح به بقوله: فالأولون ... إلخ، والآخرون ... إلخ، ولعل المحشي غفل عن آخر الكلام. (ح). وفي حاشية: لا ريب في صحة ما ذكره الشارح # من اشتراك الفريقين في هذه الشبهة، وإنما اختلفوا في وجه الاستدلال، فالقائلون بالوقوع مطلقاً قالوا: لأنه جمع بين نقيضين أو ضدين، والقائلون بالوقوع في الممتنع لغيره منعوا كونه كذلك، يعني جمعاً ... إلخ، وقالوا: هو ممتنع لغيره، وقالوا: لأنه تعالى لما أخبر عنه ... إلخ ما ذكره في الشرح، فظهر اشتراكهما فيها. (لسيدي أحمد بن إسحاق | ح).
[٢] في المطبوع: فعلمه. والمثبت من شرح المختصر.