هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: [المحكوم فيه]

صفحة 686 - الجزء 1

  جاء به، ومنه⁣(⁣١)) أي: مما جاء به (أن لا يصدقه) فقد صار أبو لهب مأموراً بأن يصدقه في أنه لا يصدقه، أي: يؤمن به، وإنما يحصل التصديق بذلك إذا لم يؤمن، فصار مكلفاً بأنه يؤمن وبأنه لا يؤمن، وهو جمع بين النقيضين، أو بأنه يؤمن وبالكف عن الإيمان، وهو جمع بين الضدين، على اختلاف الرأيين.

  (ورد) بمنع إنزال الله تعالى في حق أبي لهب أنه لا يؤمن، وأما قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ١}⁣[المسد] فلا يدل عليه؛ لأن التباب الخسران، وهو قد يزول وإن كان متلبساً به حال الكفر.

  وأما قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ٣} فكذلك؛ لاحتمال أن يكون صليّه باقتراف كبيرة أتاها بعد الإسلام.

  وأما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ


(قوله): «أي يؤمن به» تفسير لمجموع قوله: بأن يصدقه في أنه لا يصدقه في جميع ما جاء به.

و (قوله): «وإنما يحصل التصديق بذلك» أي: بأن يصدقه⁣[⁣١] في جميع ما جاء به «إذا لم يؤمن» لأن مما جاء به ÷ أن أبا لهب لا يؤمن به، وما كان وجوده مستلزماً لعدمه فهو محال؛ فلذا قال المؤلف #: فصار مكلفاً ... إلخ.

(قوله): «على اختلاف الرأيين» يعني في المطلوب بالنهي⁣[⁣٢] هل الكف أو عدم الفعل. وكأن وجه تسمية الكف عن الإيمان ضد الإيمان صحة ارتفاعهما عن المكلف، وكأنه مبني على أنه قد يخلو عنهما، والله أعلم.


= ... [وهو تكليف بأن يصدقه في أنه لا يصدقه]⁣[⁣٣]، وهو محال لنفسه؛ لاستلزام تصديقه عدم تصديقه - غلطٌ، بل هو بما علم عدم وقوعه، فهو لغيره، كلف بتصديقه قبل علمه أو بعده، فهو تشكيك بعد القاطع: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ ...} الآية [البقرة: ٢٨٦]، فهو معلوم البطلان. (بحروفه).

(١) عبارة شرح المحلي: ومنه - أي: مما جاء به النبي ÷ - أنه لا يؤمن، أي: لا يصدق النبي ÷ في شيء مما جاء به عن الله، فيكون مكلفاً بتصديقه في خبره عن الله بأنه لا يصدقه في شيء مما جاء به عن الله تعالى، وفي هذا التصديق تناقض حيث اشتمل على إثبات التصديق في شيء ونفيه في كل شيء، فهو من الممتنع لذاته.


[١] في المطبوع: بأن لا يصدقه. وأظن الصواب حذف (لا).

[٢] ويمكن أن يراد بالرأيين ما ذكره السعد في شرحيه على التلخيص في الجامع بين الجملتين، فإنه ذكر هنالك أن الحق أن الكفر والإيمان نقيضان خلاف ما اختاره القزويني، والله أعلم.

[٣] ما بين المعقوفين من التحرير.