فصل: [المحكوم فيه]
  لَا يُؤْمِنُونَ ٦}[البقرة] فهي لا تدل على دخول أبي لهب فيها، سلمنا نزول ذلك في حقه فلا نسلم أنه كلف بالجمع بين الضدين، وإنما كلف بالتصديق بأنه لا يؤمن، أي: لا يقع منه الإيمان الشرعي الذي هو فعل الطاعات واجتناب المقبحات(١).
  سلمنا أنه أريد اللغوي فالتناقض مدفوع (بمنعه) أي: التكليف بتصديقه (في الكل) مما جاء به ÷، بل التكليف بتصديقه واقع فيما بلغه إليه منه، ولا نسلم أن هذا مما بلغه(٢)؛ إذ لا يجب التبليغ لما أنزل إلا إلى من له فيه مصلحة من حكم أو غيره، ولا مصلحة لأبي لهب في ذلك(٣).
(قوله): «الإيمان الشرعي ... إلخ» فحينئذ لم يجتمع في هذا التكليف الضدان أو النقيضان، إذ الأول مجرد الاعتقاد والثاني فعل الطاعات. والمراد بالطاعات ما يشمل الاعتقاد ليحصل مجموع الإيمان الشرعي.
(١) يقال: أما هذا الجواب فيؤدي إلى تبديل إشكال بإشكال، فيوجب الكر على ما منه فر؛ لأن المؤلف # ممن يقول بأن الكفار مخاطبون بالشرعيات، وذلك أيضاً ثابت بالدليل الصحيح كما ستقف عليه قريباً، فحينئذ أبو لهب مأمور بفعل الطاعات، وقد كلف بالتصديق بأنه لا يقع منه فعل الطاعات، وإنما يحصل التصديق بذلك مع ترك فعل الطاعات؛ إذ لو فعل ذلك نافى تصديقه بأنه لا يفعل. اهـ لا يقال: إذا كان مذهب الرازي أن الكفار غير مكلفين بالفروع فلا يتم هذا الاستدلال؛ لأنا نقول: إنه يورد ذلك على مخاصمه على طريق الإلزام. ويمكن الجواب عن جميع ما أورده الرازي بجواب عام يندفع به هذا الإشكال الذي أوردته وبسائر[١] ما قرر في الاحتجاجات، وهو بأن الإخبار بأنه لا يؤمن إنما هو إخبار عن اختياره عدم الإيمان مع أن القدرة على الإيمان وعلى عدمه قائمة به، فأمره بالإيمان بعد الإخبار باختياره عدمه ليس من باب تكليفه بالمحال؛ لأن القدرة على فعله حاصلة، وإنما هو من باب قوله ø: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}[فصلت: ١٧]، لأن أفعال المكلفين جميعاً وتروكهم موكولة إلى اختيارهم، وإلا لزم الجبر، ومحل النزاع إنما هو عند انتفاء القدرة على الفعل، ولا يلزم من تكليفه بالفعل تكليفه بالاختيار؛ لأن الاختيار موكول إلى فاعله. (سيدي أحمد بن زيد الكبسي ¦).
(٢) ولو سلمنا ذلك لم يضرنا؛ فإن غايته الإخبار من عالم الغيب بالواقع من اختياره لترجيح جنبة الكفر على جنبة الإيمان، وذلك لا ينافي التمكن والاختيار. (من خط قال: عن خط الإمام المتوكل على الله إسماعيل حماه الله تعالى).
(٣) والمشهور في التواريخ أنها بلغته السورة.
[١] لعلها: وسائر.