فصل: [المحكوم فيه]
  قال الرازي: والموجود قبل ذلك ليس أمراً، بل هو إعلام له بأنه في الزمان الثاني سيصير مأموراً، ولكنه ناقض قوله في استدلاله على جواز التكليف بما لا يطاق حيث قال: إن التكليف قبل الفعل؛ بدليل تكليف الكافر بالإيمان، والقدرة غير موجودة قبل الفعل، وذلك تكليف بما لا يطاق(١).
  ثم إن قوله في الأمر: إنه إعلام بأنه سيصير مأموراً في الزمن الثاني إن أراد أنه إعلام بأنه سيصير مأموراً بذلك الأمر فهو إعلام وإلزام، ولا نريد بالتكليف قبل الفعل إلا الإلزام به قبله، وإن أراد أنه إعلام بورود أمر آخر في حال الفعل فخلافه معلوم ضرورة(٢)، على أنها حال استغناء عن الحث والتعريف، وأيضاً يلزم أن تكون صيغة «افعل» للخبر لا للإنشاء.
  وتَصْرِيحُ الجويني وغيره بأن الأشعري لم ينص على جواز التكليف بما لا يطاق وإنما أخذ له من قاعدتين: إحداهما: أن القدرة مع الفعل. والثانية: أن التكليف قبل الفعل - يَدُلُّ دلالة صريحة على أن المنسوب إليه في هذه المسألة(٣)
(قوله): «فهو إعلام وإلزام» يعني أن الإعلام بما يتضمنه الأمر لا يخرجه عن كونه أمراً، ألا ترى أن أوامر القرآن متقدمة على أفعالنا، وهي أمر لنا بالاتفاق، والواحد منا يأمر غيره قبل حال الفعل ويسمى آمراً له، هكذا ذكره الإمام المهدي #، وقرره الشيخ العلامة في شرح الفصول. واعترضه في القسطاس بمنع كون أوامر القرآن أمراً لنا، بل إنما يثبت الحكم في حقنا بدليل منفصل من إجماع أو نحوه. قلت: وما ذكره يناسب القول بأن القرآن خطاب للموجودين، وما ذكره أصحابنا متوجه إن سلم المخالف أن الأمر المتقدم إلزام، فإنه ذكر أبو الحسين أن الأشاعرة أرادوا أن الأمر إذا تقدم لا يسمى أمراً، فإذا حضر [زمان الفعل[١]] سمي أمراً، لكنه قال: وهو باطل بالإجماع على أن الواحد منا مأمور بالصلاة قبل حضور وقتها.
(قوله): «وتصريح الجويني» مبتدأ، خبره «يدل ... إلخ»؛ وذلك لقوله: إن التكليف قبل الفعل، وهو موافق لما سبق للمؤلف # في بحث التكليف بالمحال حيث قال: وأدخل فيه الأشعري جميع التكاليف؛ لانتفاء القدرة حال التكليف؛ لتقدمه على الفعل، والقدرة إنما هي حال الفعل.
(١) إلى هنا كلام الرازي.
(٢) إذ لا أمر آخر حال الفعل بالاتفاق.
(٣) وهو أنه إنما يصير مكلفاً عند مباشرته؛ لأنه ذكر في إحدى القاعدتين أن التكليف قبل الفعل، وهو ينافي ما ذكر هنا.
[١] ما بين المعقوفين من المعتمد لأبي الحسين.