فصل: [المحكوم فيه]
  عكس مذهبه فيها.
  احتج أصحابنا بوجوه، منها: أنه لو كان التكليف بالفعل حال حدوثه لانتفت فائدته؛ لأن حالة الوجود حالة استغناء عن الحث عليه والتعريف به كما عرفت، وهذا معنى قوله: (وإلا انتفت فائدته).
  ومنها: أن التكليف طلب اتفاقاً، والطلب من حيث إنه طلب يمتنع اجتماعه مع حصول المطلوب؛ لأن الطلب يستلزم أن لا يكون المطلوب حاصلاً وقت الطلب اتفاقاً، وإلا لزم طلب الحاصل، وأنه محال(١)، وإذا كان كذلك لزم أن يكون الطلب منافياً لحصول المطلوب وقت الطلب؛ لوجوب وجود المنافاة الضرورية بين عين الملزوم ونقيض اللازم(٢).
  احتج الأشعري ومن وافقه(٣) بأنه لو وقع التكليف قبل الفعل لكان تكليفاً
(قوله): «وإلا انتفت فائدته» أي: التكليف، وهو الابتلاء؛ لأنه إنما يتصور عند التردد في الفعل والترك، وأما عند تحقق الفعل فلا.
(قوله): «ومنها أن التكليف طلب اتفاقاً ... إلخ» حقق المؤلف # هذا الاستدلال بوجه لا يرد عليه ما أورده السعد على تقرير ابن الحاجب وشارحه، وقد بيناه في حاشية على الحاشية.
(قوله): «بين عين الملزوم» وهو الطلب.
و (قوله): «ونقيض اللازم» وهو حصول المطلوب.
(١) لأنه تكليف بغير الممكن.
(٢) واللازم أن لا يكون المطلوب حاصلاً وقت الطلب، ونقيضه حصوله وقت الطلب.
(٣) والتحقيق أنه قبل المباشرة تكليف بإيقاع الفعل في الزمن المستقبل، وامتناع الفعل في هذه الحالة بناء على عدم علته التامة لا ينافي كون الفعل مقدوراً ومختاراً له، بمعنى صحة تعلق قدرته وإرادته وقصده إلى إيقاعه، وإنما الممتنع تكليف ما لا يطاق، بمعنى أن يكون الفعل مما لا يصح تعلق قدرة العبد به وقصده إلى إيجاده، وبهذا يندفع قولهم: إن الفعل بدون علته التامة ممتنع، ومعها واجب، فلا تكليف إلا بالمحال؛ لأن في الأول تكليفاً بالمشروط عند عدم الشرط، وفي الثاني تكليفاً بتحصيل الحاصل. (زركشي على الجمع).
(*) قال الشيخ نجم الدين محمد بن جلال الدين عبدالقادر الواسطي ¦ في شرحه للمنهاج ما لفظه: قال السيد العبري: واعلم أن الكلام في المسألة مشكل؛ لأن الفعل قبل القدرة - أعني القوة المؤثرة المستجمعة لشرائط التأثير - ممتنع الصدور، وعندها واجب الصدور، وحينئذ يلزم على مذهب المعتزلة كون الممتنع مكلفاً به، وعلى مذهب الأشاعرة كون الواجب الصدور مكلفاً به، وكلاهما مستلزمان للتكليف بالمحال؛ لكونه على أحد المذهبين تكليفاً بالمشروط عند عدم الشرط، وعلى الثاني تكليفاً بتحصيل الحاصل. اهـ كلامه. ولعله ما أومى إليه الزركشي في جوابه السابق عن معنى هذا.