هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الفهم شرط التكليف]

صفحة 707 - الجزء 1

  وأما الصبي المميز فمُختلَف فيه، فقيل: إن الصبي إذا أدرك منافعه ومضاره فتمكن من النظر فيما يعود عليه بالنفع وما يعود عليه بالضرر قام عليه ما قام على سائر العقلاء من الحجة ولزمه ما لزمهم، ولا يلزم عليه⁣(⁣١) قبول الشهادة منه وإقامة الحد عليه ونحوهما قبل ظهور شيء من علامات البلوغ؛ لأنها أحكام تتعلق بغيره، ولا تثبت إلا بعد العلم ببلوغه مبالغ العقلاء، ولا علم إلا من الأمارات⁣(⁣٢)، بخلاف ما يتعلق به من الأحكام فإنه يخاطب بها إذا كمل عقله وإن لم يُعلم الكمال.

  وقيل: إن المميز وإن فهم ما لا يفهمه غير المميز غير فاهم فهم كامل العقل، فنسبته إلى غير المميز كنسبة غير المميز إلى البهيمة، وإن قارب البلوغ بحيث لم يبق بينه وبين البلوغ إلا لحظة واحدة فلا تكليف عليه ولو كان فهمه كفهمه الموجب لتكليفه بعد لحظة⁣(⁣٣).


(قوله): «ما قام على سائر العقلاء من الحجة ... إلخ» قد فهم بعض الناظرين أن هذا معنى انفراد التكليف العقلي عن الشرعي كما هو المختار عند جمهور المعتزلة، وليس كذلك؛ فإن الظاهر عموم ما ذكره المؤلف للعقلي والشرعي، وإنما قصد المؤلف # إخراج بعض التكاليف الشرعية، وهو ما يتعلق بغيره؛ لما ذكره من الفروق.

وأما الانفراد⁣[⁣١] فمعناه أن من تم له العلوم العقلية خوطب بالأحكام العقلية كشكر المنعم، فيعاقب على الإخلال بها.

(قوله): «ما يتعلق به من الأحكام» أي: العقلية، وكالصلاة من الشرعية.

(قوله): «وإن لم يعلم الكمال» يعني بأماراته الشرعية.

(قوله): «وإن قارب» أي: المميز، وهو متصل بقوله: كنسبة غير المميز إلى البهيمة.

و (قوله): «كفهمه» أي: كفهم نفسه بعد مضي لحظة، بأن يكمل له وقت البلوغ الشرعي.


(١) الضمير في (عليه) للقول المدلول عليه بقوله: فقيل. (سيدي صفي الدين أحمد بن إسحاق).

(٢) المذكورة الشرعية، والعلم من الأمارات على معنى ما سيذكره قريباً من جعل الشارع البلوغ ضابطاً؛ لكون الفهم معه أكثرياً، فعلى هذا المراد العلم من طريق الشرع.

(٣) إذ لا تفاوت في الفهم.


[١] يعني انفراد الأحكام العقلية. (سياغي).