فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه
  وقوله: «مع عدم علمه» إلى آخره غير مسلم، والسند(١) ظاهر، فلم يلزم أن لا يكون ذلك المعنى شيئاً من العلوم كما خيله(٢).
  وثانياً: أنه لا خفاء أن الأمر تعبير عن الحالة الذهنية، لكنها الإرادة لا غيرها، وكذا النهي عن الكراهة(٣) لا غيرها(٤)، وبالجملة لا نسلم أنهما تعبيران عن غيرهما، والله الموفق للصواب.
(قوله): «والسند ظاهر» لأنه إذا قصد الإخبار عما في ضميره - وهو كونه شاكاً في وقوع النسبة - فقد علم وقوع النسبة، أي: إدراكها؛ إذ لا يشك فيما لم يعلمه أصلاً، وعلم كونه شاكاً في وقوعها، أي: أدركه، وهو ظاهر.
(قوله): «وبالجملة لا نسلم أنهما» أي: الأمر والنهي «تعبيران عن غيرهما» أي: الإرادة والكراهة.
فإن قلت: سيأتي في باب الأمر تعريف الأمر بأنه القول الإنشائي الدال على طلب الفعل ... إلخ كما يأتي، فالمدلول عليه بالكلام هو الطلب لا الإرادة، وهو ظاهر ما نقله المؤلف # عن أصحابنا فيما يأتي حيث جعلوا المميز هو الإرادة، فدل على أنها غير مدلول الأمر.
قلنا: هذا لا يرد على المؤلف # كما يأتي؛ فإن ظاهر كلامه فيما يأتي أن الطلب هو الإرادة؛ لأنه قال: وأيضاً صيغة الأمر دالة بالوضع على معناها، وهو عندهم إرادة المأمور به، فهذا مع قوله في حد الأمر: الدال على طلب الفعل ... إلخ يشعر باتحاد الطلب والإرادة، وقد صرح الشريف في حاشية المطول بأن الطلب هو الإرادة في بحث قوله: (لا تقيمن عندنا) حيث قال: ذلك على مذهب من لم يفرق بين الطلب والإرادة فيقول: طلب الفعل من الغير هو إرادته منه، فيكون مدلول الأمر هو الإرادة، ومدلول النهي هو الكراهة. انتهى
وقد نسب في جمع الجوامع إلى المعتزلة أن الأمر عندهم هو الإرادة حيث قال: والأمر عندنا غير الإرادة، خلافاً للمعتزلة.
وأما ابن الحاجب فلم ينسب القول بأن الأمر هو الإرادة إلا إلى بعض المعتزلة، ومن أراد الاستيفاء طلبه من موضعه، والله أعلم.
(١) لأنه مأخوذ مما سبق، فكأنه قال: لا نسلم أنه يجده مع عدم علمه، بل مع علمه. اهـ لجواز أن يكون الذي يجده عند القصد المذكور هو الحكاية عن كونه شاكاً لا غير. اهـ ضرب سيلان في نسخته على هذه الحاشية.
(٢) لا يخفى لطافة هذا؛ فإن المعترض على كلامه هو الخيالي.
(٣) في (ج): تعبير عن الكراهة.
(٤) في نسخة: لا غيرهما، أي: الإرادة والكراهة.