هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه

صفحة 727 - الجزء 1

  (فقد عدم شرط) من شروط ما كلف به (كالإرادة) من الله تعالى أو من العبد.

  أما إرادته تعالى فلاستحالة تخلف المراد عنها، فإذا لم يرده فقد علم عدم وقوعه، فيستحيل وقوعه، فلا تكليف به، فلا معصية.

  وأما إرادة العبد فلأنه إذا لم يفعله لم يرده، فلا تكليف به؛ لعلم الله بانتفاء إرادته التي هي من شروطه، فلا معصية، وبطلان اللازم متفق عليه.


(قوله): «فقد عدم شرط من شروط ما كلف به» أي: من شروط ذلك الفعل المكلف به، وإذا عدم شرطه لم يكن مكلفاً به، فلا عصيان بتركه، وهو المطلوب.

(قوله): «كالإرادة من الله تعالى أو من العبد» هذا الترديد إشارة إلى الخلاف في أن الشرط إرادة الله تعالى أو إرادة العبد كما يأتي، ولم يتعرض المؤلف # لبيان شرطية أحد الإرادتين في التكليف ولا لبيان انتفاء الشرطية⁣[⁣١]، مع أنه لا يتم احتجاجهم إلا بذلك. وقد بين السعد في الحواشي شرطية الإرادة بقوله: لا خلاف في أن الفعل المكلف به مشروط بالإرادة وإن وقع الخلاف في أنه إرادة الله تعالى أو إرادة العبد. قلت: ولعل الوجه في إرادة الله تعالى أنها لو لم تكن شرطاً لزم أن يكلف بما لا يريد، وفي إرادة العبد أن الفعل إنما يقع منه على وجهه إذا أراده حتى يعد ممتثلاً، فإذا لم يرده لم يقع على وجهه كما أشار إليه بعض شراح الفصول. وبين المؤلف # انتفاء الشرطية⁣[⁣٢] بالنظر إلى إرادة الله تعالى بقوله: أما إرادته تعالى فلاستحالة تخلف المراد عنها؛ لأنه بيان الملازمة المقدرة، كأنه قيل: أما انتفاء إرادة الله تعالى فلأنه لو أراده لوقع لاستحالة تخلف المراد عنها، لكنه لم يقع من المكلف كما هو المفروض، فلا إرادة، وإذا لم يرده تعالى فقد علم الله تعالى انتفاء شرط من شروطه، فلا تكليف به ولا معصية. وأما قول المؤلف #: «فإذا لم يرده فقد علم عدم وقوعه فيستحيل وقوعه» فهو بيان لاستحالة وقوعه⁣[⁣٣] لأمر غير ما نحن فيه، وهو سبق علم الله بعدم وقوعه، والمقصود فيما نحن فيه غير ذلك؛ إذ المراد أن عدم التكليف لعدم الشرط، وهو الإرادة. وإن أجيب بأنه إذا استحال لسبق العلم فقد انتفى شرط من شروطه وهو الإمكان ورد أن الإمكان شرط غير الإرادة. ويمكن أن يجاب بأن الاستحالة بناء على أصلهم من أنه لا يقع في ملكه ما لا يريد.

(قوله): «وأما إرادة العبد ... إلخ» هذا بيان لانتفاء الشرط بالنظر إلى إرادة العبد، فقوله: «فلأنه إذا لم يفعله» أي: العبد، يعني إذا لم يفعل ما كلف به لم يرده، فيكشف عدم فعله عن عدم إرادته.

(قوله): «فلا تكليف به لعلم الله بانتفاء إرادته» أي: إرادة العبد للفعل، وإذا علم الله تعالى ذلك ثبت مطلوب المخالف، وهو علم الآمر بانتفاء شرط وقوعه وقته.

(قوله): «وبطلان اللازم» وهو عدم العصيان «متفق عليه» فيبطل الملزوم، وهو عدم صحة التكليف بما علم الآمر شرط انتفاء وقوع وقته، فيتعين صحة ذلك، وهو المطلوب.


[١] يحقق ما أراد بهذا. (حسن بن يحيى من خط العلامة السياغي).

[٢] ظنن في نسخة بالشرط، وعليه ما لفظه: إذ المؤلف بصدد بيان الشرطية بانتفاء الشرط، وهو الإرادة. (ح عن خط شيخه).

[٣] بل هو بيان للمقصود؛ إذ علم الله تعالى بعدم الوقوع دليل عدم إرادته، فتأمل فهو مما نحن فيه. (ح عن خط شيخه).