هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام في تواتر القراءات السبع]

صفحة 25 - الجزء 2

  كالتفخيم والترقيق وتخفيف الهمزة وأصل المد والإمالة، وهو قول الجمهور.

  وقيل: ليست متواترة⁣(⁣١) لا أصلاً ولا هيئة، وهو اختيار صاحب الكشاف


(قوله): «وأصل المد» يعني لا قدره، وينظر في تقييد كلام الجمهور بهذا؛ فإن المروي عنهم الإطلاق، وهذا التقييد إنما يوافق ما اختاره المؤلف فيما يأتي حيث قال: والحق ... إلخ.


(١) الذي صرح به جمع من محققي العلماء سيما أهل علم القراءات أن القراءات السبع متواترة، وقد يستشكل ذلك، أعني كونها متواترة؛ فإن حقيقة المتواتر خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه، وهذا غير متحقق؛ فإن كل واحد ممن يقرأ القرآن العظيم إذا سئل عمن أخذ قراءته يقول غالباً: عن فلان، وهذا آحادي. والذي يظهر في الجواب والله أعلم أن يقال: كون كل واحدة من السبع متواتراً لا يستدعي صدق أن يتواتر لكل واحد ممن قرأ القرآن، وإنما المراد بالمتواتر أن يكون متواتراً في الجملة ولو لواحد فضلاً عن آحاد فضلاً عن جماعات، ولا شك أن من بحث وسأل وفتش حصل له التواتر جزماً؛ إذ ليس من شرط المتواتر أن يأتي عفواً من غير كلفة مشقة بحث وسؤال؛ بدليل أنهم نصوا في شيء من الأحاديث النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والسلام بأنه متواتر، ومعلوم أنه لا يتم تواتره إلا لمن بحث وطالع، ولهذا أجاب المحقق العسقلاني على من ادعى عزة وجود المتواتر وقصره على: «من كذب علي متعمداً ..» الحديث بأن هذا غير مسلم، بل هو كثير لمن فتش وبحث، وإنما نشأ ذلك من قلة الاطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطؤوا على الكذب، وما نحن فيه من هذا القبيل. ومما يزيد هذا الكلام وضوحاً أن واحداً من الناس في مثل قطر اليمن الذي غلبت فيه قراءة نافع لو شكك مثلاً في مثل: {يا أيها النبيء} هل بالهمز أو بالياء لما أجابه من له أدنى التفات إلى تلاوة كتاب الله تعالى إلا أنه بالهمز لا غير، ولو شكك في {محياي} هل بسكون الياء أو بفتحها لما أجابه إلا بالسكون فقط، وما ذاك إلا لجزمه بذلك وثبوته له يقيناً بطريق التواتر، وكذلك من في قطر الشام الذي غلبت فيه قراءة ابن عامر، ومن في الكوفة بالنسبة إلى الكسائي، ونحو ذلك. نعم، وينبغي أن يعلم أنه ليس من شرط تواتر مثل القراءات أن يقول المخبر للمخبر: هذه قراءة فلان، بل لو أن أحداً سمع قارئاً يقرأ وهو يعرف أنه ممن يقرأ بقراءة نافع مثلاً كانت تلك التأدية مع معرفة تلك الحال في قوة التصريح بأن هذه القراءة التي قرأها قراءة نافع. ويؤيد هذا ما ذكره ابن حجر العسقلاني في شرح النخبة حيث قال: إذا اجتمعت الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها على إخراج حديث وتعددت طرقه تعداداً تحيل العادة تواطأهم على الكذب أفاد العلم اليقين بصحة نسبته إلى قائله. اهـ هذا، وهذه القراءات السبع متواترة بالنسبة إلى القراء السبعة ولا كلام فيه على ما اختير، وكذلك منهم إلى النبي ÷، فلا يتوهم أن التواتر إنما هو بالنظر إليهم فقط كما ذكره بعض أهل العلم، تدل على ذلك دلائل مذكورة في محالها، مثل قول نافع: سمعتها عن سبعين بدرياً، والله أعلم. (عن خط القاضي محمد بن صالح العلفي). قلت: السامع عنه وحده سماعاً آحادياً ينفي التواتر وينقطع حينئذ، وهو مراد القائل بتواتره بالنسبة إلى القراء السبعة.

(*) هذا قول جمهور السلف وأهل الحديث والقراء يشترطون صحة السند والاستفاضة في البلد سواء تواترت أم لا، وهو مذهب زيد بن علي وأخيه الباقر والناصر الأطروش والحقيني والإمام يحيى بن حمزة ونجم الدين الرضي والزمخشري وغيرهم، وروي عن الهادي أنه لم يتواتر إلا قراءة قالون عن نافع، وعن المرتضى قريب منه. وروى الجزري عن الجمهور: القراءة ما صح سندها ووافقت أحد المصاحف العثمانية ووافقت العربية، سواء كانت عن السبعة أو العشرة أو غيرهم، ومن تتبع الآثار عرف حقيقة الأمر.