هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[انقسام القرآن إلى محكم ومتشابه]

صفحة 32 - الجزء 2

  وقيل: المحكم الفرائض والوعد والوعيد، والمتشابه القصص والأمثال⁣(⁣١).

  وعن ابن عباس⁣(⁣٢): المحكمات: ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به، والمتشابهات: منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه⁣(⁣٣) وما يؤمن به ولا يعمل به.

  وعن مجاهد⁣(⁣٤): المحكمات: ما فيه الحلال والحرام، وما سوى ذلك متشابه⁣(⁣٥) يصدق بعضه بعضاً.


(قوله): «ومقدمه ومؤخره» أي: معرفة وجه تقديم المقدم وتأخير المؤخر، وهذا يحتمل معرفة التقدم والتأخر في النزول، ويحتمل معرفة ترتيبه في المصاحف، فيكون هذا مبنياً على أن الترتيب وقع في زمنه ÷.

لا يقال: بيان وجه التقديم يقتضي بيان التأخير والعكس؛ لكونهما من الأمور النسبية، فما وجه ذكرهما معاً؟ لأنا نقول: ذكرهما معاً توضيحاً⁣[⁣١] للمعنى بذكرهما صريحاً؛ لئلا يتوهم من اقتصاره على أحدهما أن تشابه ما قدم وما أخر ليس من حيثية التقديم والتأخير بل من حيثية أخرى فتأمل.

(قوله): «وأقسامه» أي: ما أقسم الله به.

(قوله): «وما يؤمن به ولا يعمل به» كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ٥}⁣[طه]، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}⁣[المائدة: ٦٤]، فإن السلف على أن الإيمان به واجب وإجراؤه على ظاهره من غير تأويل، هكذا نقل عن روضة الناظر. وينظر في قوله: وإجراؤه على ظاهره⁣[⁣٢] وفي نسبته إلى السلف، فإنه لا يصح ذلك، اللهم إلا أن يريدوا بإجرائه على ظاهره أنه لا يتأول، لا أن يعتقد ظاهره⁣[⁣٣].


(١) قيل: لأن المحكم ما أفاد حكماً، ولا حكم في القصص والأمثال.

(٢) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه. (إتقان).

(٣) في حاشية: جمع قسم.

(٤) أخرجه الفريابي. وقوله: عن الضحاك أخرجه عبد بن حميد.

(٥) في (أ، ب، د): منه متشابه.


[١] يقال: التقديم والتأخير بين الأمور المتعددة لا يغني أحدهما عن الآخر؛ إذ يجتمعان في واحد منها، فلا يغني بيان وجه تقديمه على ما بعده عن بيان تأخيره عما قبله، والله أعلم. (حسن بن يحيى الكبسي ح). هذا بناء على أن المقدم والمؤخر في النزول، وليس كذلك، وإلا لزم أن القرآن كله متشابه، بل المراد اللفظ المقدم ورتبته التأخير، وهذا كلام بلفظه من الإتقان للسيوطي، وقد أفرد فيه باباً في ذلك. ومثاله: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}⁣[النساء: ١٥٣]، قال مجاهد: أي: قالوا: جهرة أرنا الله، وقوله تعالى: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ٢٦}⁣[ص]، أي: لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا، وذلك مبين في الإتقان وفي تفسير الحسين بن القاسم العياني. (من خط شيخنا العلامة صفي الدين أحمد بن عبدالله الجنداري).

[٢] إذ ينافي عدم العمل به. (حسن يحيى. ح).

[٣] يدل عليه قوله: من غير تأويل. اهـ ح.