[الكلام في عصمة الأنبياء]
  الثاني: فيما هو كفر، وقد أجمعت الأمة على عصمتهم عنه قبل البعثة وبعدها، إلا أن الأزارقة من الخوارج جوزوا عليهم الذنب، وكل ذنب عندهم كفر، فلزمهم تجويز الكفر، بل يحكى عنهم أنهم يقولون بجواز بعثة نبي يعلم الله أنه يكفر بعد نبوته.
  والإمامية جوزوا إظهار الكفر(١) تَقِيَّة عند خوف الهلاك، وهو باطل؛ لأنه يفضي إلى إخفاء الدعوة وترك تبليغ الرسالة؛ لأن أولى الأوقات بالتقية وقت الدعوة؛ لقلة الموافق وكثرة المشاقق.
  الثالث: في الكبائر غير الكفر، ومن عدا الحشوية من الأمة يمنعونها بعد البعثة سمعاً عند جميعهم، وعقلاً عند العدلية، وأما قبل البعثة فقال أكثر الأشاعرة وأبو الهذيل من المعتزلة: لا يمتنع أن تصدر(٢) عنهم كبيرة؛ لعدم دلالة المعجزة عليه، ولا حكم للعقل.
  وجمهور العدلية يمنعون صدورها عنهم قبل البعثة؛ لما فيها من التنفير المفوت لمصلحة البعثة.
  الرابع: في الصغائر المنفرة، والخلاف فيها قبل البعثة وبعدها كالكبائر، إلا ما يروى عن الجاحظ من تجويز صدورها عنهم سهواً بشرط أن ينبهوا عليه فينتهوا عنه.
(قوله): «إظهار الكفر تقية ... إلخ» لعلهم يقولون: ولا يكون كفراً لمكان الخوف فلم يشرح بالكفر صدراً، ولجواز التأويل. ولعل في قول المؤلف #: إظهار الكفر إشارة إلى ما ذكرنا، وكلام الإمامية مع هذا مردود بأنه يعود على غرض التبليغ بالنقض.
(قوله): «بشرط أن ينبهوا عليه» أي: على الصادر عنهم سهواً.
(١) قيل: بل أوجبوه محتجين بالآية: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥]. (من خط العلامة أحمد بن عبدالله الجنداري).
(٢) وبه قال الإمام أحمد بن سليمان؛ محتجاً بقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ١١}[النمل]، وبمعصية أولاد يعقوب، وذهب الإمام القاسم بن محمد والإمام الشرفي إلى تجويز الكبيرة على الأنبياء قبل البعثة دون الرسل؛ بناء على أنه لا تنفير على الأنبياء، ولم يظهر الفرق؛ لأن النبوة كالرسالة في المصلحة. (من خط العلامة صفي الدين أحمد بن عبدالله الجنداري).