هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة في بيان ثبوت الإجماع والعلم به ونقله]

صفحة 90 - الجزء 2

  وأما العلم به فالقائلون بإمكان انعقاده اختلفوا في إمكان معرفته والاطلاع عليه، فأثبته الأكثرون، (وقيل) بل (يمتنع العلم به) عادة، وهو مروي عن أحمد بن حنبل، ولهذا نقل عنه أنه قال: من ادعى وجود الإجماع فهو كاذب؛ وذلك (لانتشارهم) في الأقطار، فلا يثبت عن كل واحد من علماء الشرق والغرب أنه حكم في المسألة المعينة بالحكم المعين (أو خفاء بعضهم) بحيث لا يعلم وجوده البتة، وهذا وما قبله معلوم؛ فإن من أنصف من نفسه جزم بأنهم لا يعرفون بأعيانهم فكيف بتفاصيل أحكامهم؟ (أو رجوعه) أي: رجوع بعضهم عما أفتى به (قبل فتوى الآخر) فيظن انعقاد الإجماع (أو نحو ذلك) مما يمنع العلم بوقوعه، كانقطاع بعضهم عن الناس بعد العلم بوجوده، فلا يعلم له خبر، أو خموله فلا يعرف كونه مجتهداً مع كونه في نفس الأمر كذلك، أو كذبه فيما أفتى به⁣(⁣١) لعذر ما، أو اثنين منها أو فوقهما أو غير ذلك، وتجويز واحد مما ذكرناه يمنع من حصول العلم بانعقاد الإجماع فكيف بتحقق بعضها⁣(⁣٢)؟


(قوله): «وأما العلم به» هذا هو المقام الثاني من المقامات، وهو النظر في العلم باتفاقهم.

(قوله): «وهو مروي عن أحمد بن حنبل؛ ولهذا نقل عنه ... إلخ» جعل المؤلف # ما نقل عنه دليلاً على أنه يقول بامتناع العلم به، وأما ابن الحاجب فحمل هذا المنقول عنه على استبعاد وجوده أو الاطلاع عليه لا الامتناع، وسيأتي رجوع المؤلف # إلى هذا الحمل حيث قال: قالوا: يبعد إطلاع الواحد على إجماعهم دون غيره كما نقل عن أحمد⁣[⁣١].

(قوله): «عما أفتى به قبل فتوى الآخر» لو قال: فيرجع عن ذلك الرأي قبل موافقة الآخر لكان أعم.

(قوله): «فيظن انعقاد الإجماع» أي: يظن الناقل انعقاد الإجماع، وليس كذلك.

(قوله): «بعد العلم بوجوده» ليكون مانعاً عن انعقاد الإجماع، ولم يذكر هذا القيد في شرح المختصر، ولعل وجهه أن الانقطاع يشعر به.

(قوله): «أو كذبه فيما أفتى به» لو قيل: أو كذبه في قوله: رأيي في المسألة كذا لكان أعم.

(قوله): «أو اثنين منها» عطف على ما يفهم من الكلام السابق؛ إذ يفهم من ألف التخيير في قوله: أو خفاء بعضهم أو رجوعه ... إلخ المعطوف عليه، كأنه قال: يمتنع العلم لأحد هذه الأشياء أو لاثنين منها.

و (قوله): «أو فوقهما» أي: فوق الاثنين.

و (قوله): «أو غير ذلك» من التجويزات المقدرة.

(قوله): «فكيف بتحقق بعضها» كالأولين.


(١) عبارة العضد: في قوله: رأيي في هذه المسألة كذا، والعبرة بالرأي دون اللفظ.

(٢) انتشارهم أو خفاء بعضهم.


[١] لا يبعد أن يكون رواية أخرى. (حسن بن يحيى الكبسي. ح).