[مسألة في بيان ثبوت الإجماع والعلم به ونقله]
  قليلين محصورين مجتمعين في الحجاز، ومن خرج منهم بعد فتح البلاد كان معروفاً في موضعه(١).
  وأما نقله: فالقائلون بإمكان معرفته اختلفوا في إمكان نقله، والأكثرون على جوازه، (وقيل:) بل (يمتنع نقله(٢)) إلى من يحتج به عادة (إذ الآحاد لا تفيد) القطع المطلوب حصوله من الإجماع، فيتعين التواتر؛ إذ لا طريق للنقل غيرهما (والتواتر بعيد) حصوله؛ لوجوب استواء الطرفين والواسطة، بل العادة تحيل مشاهدة(٣) أهل التواتر لكل واحد من المجتهدين شرقاً وغرباً والسماع منهم والنقل عنهم إلى أهل التواتر هكذا طبقة بعد طبقة إلى أن يتصل بنا.
(قوله): «وأما نقله» هذا هو المقام الثالث، وهو النظر في نقل الإجماع إلى من يحتج به.
(قوله): «إذ الآحاد لا تفيد ... إلخ» لما سيأتي إن شاء الله تعالى من اشتراط التواتر. اعلم أن هذا البحث أعني نقل الإجماع بالآحاد ذكره المؤلف # وابن الحاجب وغيرهما من الأصوليين في موضعين: الأول: في هذا المقام، أعني بيان امتناع نقل الإجماع، فالقائل بالامتناع هم المنكرون[١] للإجماع رأساً، فيكون المراد هنا أن الآحاد لا تفيد في نقل الإجماع سواء كان ظني الدلالة أو قطعيها. الموضع الثاني: فيما سيأتي في بحث هل يثبت الإجماع بنقل الآحاد أو لا بد من التواتر، والمخالف هنالك ليس هم المانعين للإجماع أصلاً، بل هم بعض القائلين بحجيته كالغزالي وأبي عبدالله وبعض الحنفية، وكلامهم هنالك في الإجماع الثابت حجيته القطعي دلالته كما ستعرف ذلك. إذا تقرر هذا فالمؤلف # لما قال: «إذ الآحاد لا تفيد القطع المطلوب حصوله من الإجماع» أشعر بأن الكلام هاهنا في القطعي من الإجماع لا سيما مع قوله هنا: «على أنه لا يشترط التواتر في نقله على الأصح»، فإن هذا خاص بالإجماع القطعي دلالته؛ بدليل قوله: فالإجماع القطعي الدلالة المنقول بالآحاد أولى، وليس كذلك؛ إذ المخالف هنا هو المنكر[٢] للإجماع مطلقاً. وأما قول المؤلف #: قالوا: يبعد إطلاع الواحد على إجماعهم ... إلخ فهو مبني على أن الخلاف عام في القطعي والظني، فقد جمع المؤلف # هنا بين مقتضى الخلافين، أعني خلاف منكر الإجماع وبين خلاف غيره، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما له نفع في هذا المقام فتأمله، والله أعلم.
(١) محصول هذا الجواب أنه ممكن من الصحابة لا من غيرهم، وهذا قول المنصور بالله والإمام يحيى والرازي وأحد قولي أحمد بن حنبل كما حكاه في الفصول.
(٢) قال سعد الدين: وبالجملة فضبط كلام المخالف على ما قرره الشارح المحقق هو أنه يمتنع ثبوته، ولو ثبت يمتنع العلم به، ولو علم يمتنع نقله إلى المجتهد، ولو نقل يمتنع الاحتجاج به، والمراد بالامتناع العادي على ما يشعر به الاستدلال، وقد صرح به في المتن والشرح، إلا في الثبوت فإن ظاهر لفظ المتن أن المخالف ينكر ثبوته، والشرح أنه يدعي استحالته. (من حاشيته على العضد).
(٣) مصدر مضاف إلى الفاعل.
[١] يحقق هذا؛ فإن الظاهر أن المخالف هنا إنما يخالف في نقل الإجماع بعد الاتفاق على ثبوته لا في ثبوت الإجماع وعدمه، فالموضعان سيان، والله أعلم. (حسن بن يحيى ح).
[٢] ينظر؛ إذ الكلام في إنكار نقل الإجماع لا إنكار الإجماع. (حسن ح).