[تعريف أصول الفقه]
  (وهو) أي: الدليل يطلق لغة على المرشد(١)، وهو: الناصبُ لما يرشد به والذاكرُ له، وعلى ما به الإرشاد.
  وفي الاصطلاح - وهو: اتفاق جماعة على تخصيص شيء بشيء - أما عند الأصوليين فهو: (ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري) ذكر الإمكان لإدخال ما لم ينظر فيه، فإن الدليل لا يخرج عن كونه دليلاً بأن لا ينظر فيه أصلاً(٢).
(قوله): «وهو الناصب لما يرشد به» فيقال: الدليل على الصانع تعالى هو الصانع؛ لأنه الناصب للعالم دليلاً عليه.
(قوله): «والذاكر له» فيقال: الدليل على الصانع هو العالم بكسر اللام؛ لأنه الذاكر لذلك. وعلى ما به الإرشاد فيقال: الدليل على الصانع هو العالَم بفتح اللام؛ لأنه الذي به[١] الإرشاد.
(قوله): «وعلى ما به الإرشاد» أعاد المؤلف # حرف الجر تنبيهاً على كونه معطوفاً على المرشد، فعلى هذا يكون الدليل في اللغة هو المرشد، والمرشد له معنيان: الناصب لما يرشد به، والذاكر له، ويكون الدليل أيضاً في اللغة ما به الإرشاد، فللدليل ثلاثة معان، وللمرشد معنيان، وهذا مبني على ما ذكره الآمدي في الإحكام. وذكر في شرح المختصر وجهاً آخر، وهو: أن يجعل الدليل للمرشد، والمرشد للمعاني الثلاثة. ولا يستبعد إطلاق المرشد على ما به الإرشاد، فإنه يقال له المرشد مجازاً كما يسند الفعل إلى الآلة، فيقال للسكين: إنه قاطع.
(قوله): «ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه» لم يتعرض المؤلف # لتفسير معنى النظر فيه، وهو محتاج إلى بيان المراد به هنا، فإن المؤلف فيما يأتي ذكر أن هذا الحد أعم من وجه من تعريف المنطقيين كما سيأتي، وهو المركب من قضيتين للتأدي إلى مجهول، ولا يظهر ما ذكره إلا بتقديم بيان معنى النظر بما ذكره السيد في حواشي شرح المختصر حيث قال: وأريد بالنظر فيه ما يتناول النظر فيه نفسه وفي صفاته وأحواله، فيشمل المقدمات التي هي بحيث إذا رتبت أدت إلى المطلوب الخبري، والمفرد الذي من شأنه إذا نظر في أحواله وصفاته أوصل إليه كالعالم.
قال: وظاهر كلام الشارح المحقق أن الدليل عندنا لا يطلق إلا على المفردات التي من شأنها أن يتوصل بأحوالها إلى المطالب الخبرية، فيجب أن يحمل قولنا: «بصحيح النظر فيه» على النظر في صفاته وأحواله. قال: ويجوز أن يجري على عمومه كما أوضحناه[٢] فيتناول النظر فيه نفسه وفي صفاته وأحواله.
ولفظ الشارح المحقق: اعلم أن الدليل عندنا على إثبات الصانع هو العالم، وعند المنطقيين أن العالم حادث وكل حادث له صانع، قال السيد: فالدليل عندهم هاتان القضيتان مع هيئة الترتيب العارضة لهما.
قلت: فيكون النسبة بين التعريفين على كلام الشارح المحقق هو التباين، لا العموم من وجه كما ذكره المؤلف فيما يأتي، فكلامه # مبني على ما ذكره السيد، والله أعلم.
(١) قال ابن أبي الخير: يعني في عرف اللغة، وأما في أصل اللغة فهو المتقدم على القوم ليعرفهم الطريق. ولا يخفى أن إطلاقه في اللغة على أحد المعنيين غير مفتقر إلى تخصيص أحدهما بعرف اللغة والآخر بها مطلقة؛ لاتحادهما؛ إذ المرشد هو المعرف.
(٢) يعني أن الدليل معروض الدلالة، وهي كون الشيء بحيث يفيد العلم عند النظر فيه، وهذا حاصل نظر فيه أو لم ينظر. (سعد).
[١] في المطبوع: فيه. والمثبت من حواشي شرح المختصر.
[٢] يعني فيما سبق بقوله: فيه نفسه وفي صفاته. (ح عن خط شيخه).