[الكلام في الإجماع السكوتي]
  والجواب: أن ضعف الاحتمال بالانقراض لا يفيده(١)؛ لأن(٢) غايته قوة ظهور الموافقة، وهو لا يدل على القطع الذي يدعيه؛ لبقاء الاحتمال وإن كان ضعيفاً، ولا يضرنا وجوده؛ لأنا لا ندعي إلا الظن، وهذا ما أشار إليه بقوله: (ولا يضر(٣) الاحتمال(٤)) فيه (فيُضَعَّفَ بالانقراض) أي: يحتاج إلى تضعيفه بالانقراض.
  (و) قال أهل المذهب الثالث: يحتمل (كون السكوت لخوف أو توقف) في المسألة (أو تصويب) أي: لاعتقادِ أن كل مجتهد مصيب، أو غير ذلك من الاحتمالات التي ذكرناها آنفاً وغيرها، ومع قيام هذه الاحتمالات لا يدل على الموافقة، فلا يكون إجماعاً ولا حجة.
  والجواب: أنها وإن كانت محتملة فهي (خلاف الظاهر(٥)) لما علم أن من
(قوله): «لا يدل على القطع الذي يدعيه» لأن قوله: هو إجماع بعدهم عبارة عن الحجة القطعية.
(قوله): «ولا يضرنا وجوده» أي: وجود الاحتمال.
(قوله): «فيضعف» بضم الياء وفتح الضاد وتشديد العين المهملة، وضمير يضعف عائد إلى الاحتمال، ويضعف منصوب بفاء السببية، أي: حتى يضعف، أي: يحتاج إلى تضعيف الاحتمال بالانقراض.
(قوله): «التي ذكرناها آنفاً» في الاستدلال لأبي علي الجبائي.
(١) أي: مطلوبه.
(٢) في المطبوع: إلا أن غايته.
(٣) في المطبوع: ولا يضرنا.
(٤) أقول: هذه العبارة لا تناسب ما قصده من رد قول الجبائي من الحكم بقطعية الحجة بعد الانقراض، وحق الكلام أن يقال: ولا يزول الاحتمال بالانقراض أو نحو ذلك. نعم، إن أراد الجواب عما يرد على المذهب المختار عنده من أنه لا حجة مع الاحتمال لكان وجهاً، لكنه لا يناسب تأخيره عن قوله: «وهذا غير كاف للأول»؛ لكونه رجوعاً إلى تكميل الدليل المختار بعد الشروع في دفع غيره كما لا يخفى على العارف بالأساليب، والله أعلم. (من خط السيد صلاح بن الحسين الأخفش قدس سره).
(٥) لفظ الجلال: لكن لا يخفى صحة منع الظهور؛ لأن العادة إنما جرت في الإنكار عند انتفاء المانع منه، فأين الدليل على أن السكوت كان مع انتفاء المانع من الإنكار؟ ولا سبيل إلى أن يقال: الأصل عدم المانع كما يصح أن يقال: الأصل وجود المقتضي؛ لأن المقتضي عدالتهم المستلزمة لإنكار الباطل، وهي متحققة، بخلاف انتفاء العارض فليس بمتحقق، بل وجود ذلك وعدمه سيان في الإمكان، فلأي شيء رجح عدمه على وجوده؟ (من شرح الجلال على مختصر المنتهى). هذه دعوى لا يساعد عليها الإنصاف؛ إذ الاحتمالات من الاستواء بحيث لا ينكره إلا مكابر فليتأمل، إذا عرفت ذلك علمت أن السكوتي من الإجماع غير حجة، وما أحسن قول الشافعي: لا ينسب إلى ساكت قول، والله أعلم. (من خط سيدي صلاح الأخفش ¦).