هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام فيما إذا اختلف المجتهدون على قولين هل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث]

صفحة 198 - الجزء 2

  ومثال ما يرفع القولين بأن يطأ المشتري البكر ثم يجد فيها عيباً⁣(⁣١) فقيل: الوطء يمنع الرد⁣(⁣٢)، وقيل: بل يردها مع أرش النقصان، وهو تفاوت قيمتها بكراً وثيباً، فالقول بردها مجاناً قول ثالث رافع للقولين⁣(⁣٣).

  احتج المانعون: أما أولاً: فباتفاق الأولين على عدم التفصيل، فالقول به خلاف الإجماع، والجواب: منع اتفاقهم على عدم التفصيل⁣(⁣٤)، غايته أنهم لم


(١) وكالجد مع الأخ قيل: المال كله للجد، وقيل: بل المقاسمة، فالقول بحرمان الجد رافع لما اتفقا عليه من ثبوت ميراثه في الجملة، ونحو ذلك، فلا يجوز لخرقه الإجماع، وبخلاف ما لو صرحوا بعدم التفصيل فيه بأن يجيبوا في مسألتين بجواب واحد فالمفصل خارق للإجماع، أو يعللوا بعلة جامعة بينهما يعلم منها أن حكمهما واحد لعدم الفارق واتحاد الجامع، كتوريث العمة والخالة فإن العلماء بين مورث لهما ومانع، والجامع بينهما عند الطائفتين واحد، وهو كونهما من ذوي الأرحام، فالقائل بتوريث واحدة دون الأخرى خارق لما اتفقوا عليه ضمناً، فلا يجوز التفصيل إلا فيما لم يقولوا بنفيه صريحاً أو ضمناً. (شرح ابن جحاف).

(٢) قال في شرح التحرير ما لفظه: نقل الأول - يعني عدم الرد - عن علي وابن مسعود، والثاني - يعني الرد مع الأرش - عن عمر وزيد بن ثابت وأنهما قالا: يرد معها عشر قيمتها إن كانت بكراً، ونصف عشر قيمتها إن كانت ثيباً، فقد اتفقوا على عدم ردها مجاناً. قال الشارح: وقال شيخنا الحافظ: وفي هذا المثال نظر، فإن الذي يروى عنهم ذلك من الصحابة لم يثبت عنهم، وأما التابعون فصحت عنهم الأقوال الثلاثة، الأول عن عمر بن عبدالعزيز والحسن البصري، والثاني عن سعيد بن المسيب وشريح ومحمد بن سيرين وكثير، والثالث عن الحارث العكلي، وهو من فقهاء الكوفة من أقران إبراهيم النخعي. (بلفظه). قلت: وحكاية جواز الرد مجاناً قد ذكرها أيضاً الإمام يحيى بن حمزة # عن أمير المؤمنين ¥ والشافعي، حيث قال في المسألة العاشرة من الباب الثاني من الحاوي في بيان المعتبرين في الإجماع في سياق حجية قول أمير المؤمنين ¥ ما لفظه: وحكي عن أمير المؤمنين أنها ترد مجاناً من غير شيء كما ذهب إليه الشافعي. اهـ وفيما تراه عن شرح التحرير والحاوي ما يدفع ما اشتهر بين الأصوليين من أن القول بالرد مجاناً خارق للإجماع، اللهم إلا أن يريدوا بذلك مجرد التمثيل.

(٣) فإنهم قائلون جميعاً: إنها لا ترد مجاناً.

(٤) فيه بحث؛ لأن من يقول بأن العيوب الخمسة ينفسخ بها النكاح يمنع أن بعضها لا يفسخ؛ ضرورة أن السلب الجزئي ينافي الإيجاب الكلي، وكذا من يقول بأن شيئاً من العيوب لا يفسخ به النكاح يمنع أن البعض مما يفسخ به، ومعلوم أن التفصيل قول بالإيجاب للبعض والسلب عن البعض، فكان ينافيهما، فيكون باطلاً. والحاصل: أن القول بالإيجاب الكلي في قوة القول ببطلان نقيضه الذي هو السلب الجزئي ولازم بين له، وكذا القول بالسلب الكلي يستلزم القول ببطلان الإيجاب الجزئي، فالقول بمجموع الإيجاب الجزئي والسلب الجزئي الذي هو القول بالتفصيل قول بما أجمعوا على بطلانه. أقول: وبما قررنا ظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين الوقائع المتجددة؛ إذ فيها لا يلزم القول بالبطلان، بخلاف ما نحن فيه على ما قررناه، وظهر أيضاً [اندفاع]⁣[⁣١] ما يقال في الجواب: من قال بأن العيوب المشتركة بين الزوج والزوجة مما يفسخ به النكاح، والعيوب المختصة بأحدهما مما لا يفسخ بها مثلاً قال بحكمين عند التحقيق، و [في] كل حكم لا يخالف إلا جماعة واحدة، ومخالفة الإجماع إنما تكون إذا أجمع الكل على حكم ثم جاء أحد وقال بقول واحد ينافيه، كمسألة الجد والنية، على أن فيه تعسفاً؛ لأن هذا التوجيه يخرج الكلام عما هو محل النزاع؛ إذ محل النزاع أن يحدث القول الواحد الثالث⁣[⁣٢] بعد الاتفاق على قولين على ما يشعر به تنكير قول ثالث، فقد جعلوا التفصيل قولاً واحداً ثالثاً، وإلا فيخرج عن محل النزاع. (ميرزاجان).


[١] ما بين المعقوفين من حاشية ميرزاجان. وفي المطبوع: وظهر أيضاً ما يقال في الجواب على من قال ... إلخ.

[٢] في المطبوع: القول لواحد والثالث. والمثبت من حاشية ميرزاجان.