هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام فيما إذا اختلف المجتهدون على قولين هل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث]

صفحة 199 - الجزء 2

  يقولوا به (وعدم القول بالتفصيل ليس قولاً بعدمه) أي: التفصيل، وإنما يمتنع القول بما قالوا بنفيه لا بما لم يقولوا فيه بنفي ولا إثبات (وإلا امتنع) القول (فيما تجدد) من الوقائع؛ إذ لم يقولوا فيها بحكم.

  (و) أما ثانياً: فبأن في القول بالتفصيل (لزوم تخطئة الأولين) إذ كل فئة مخطئة بالتعميم، وفيه تخطئة كل الأمة، والأدلة تنفيها.

  والجواب: أن ذلك (ممنوع فيما قلناه) من التفصيل؛ لأن ما تنفيه الأدلة تخطئة كل الأمة فيما اتفقوا عليه، وأما فيما لم يتفقوا عليه بأن يخطئ بعض في مسألة⁣(⁣١) وبعض في أخرى فلا، وإلا لزم أن يمتنع تجويز الخطأ على كل فرد من مجتهدي كل الأمة في أحكام متعددة، ولا خلاف فيه لغير الإمامية.


(قوله): «مخطئة بالتعميم» أي: بتعميم الحكم وعدم التفصيل.

(قوله): «لأن ما تنفيه الأدلة» أي: الذي تنفيه.

(قوله): «وأما فيما لم يتفقوا عليه ... إلخ» بيانه أن القائل بالحل مطلقاً أخطأ في العمد، والقائل بعدم الحل مطلقاً أخطأ في السهو، ولم تتفق الطائفتان على الحل في العمد ولا على عدم الحل في السهو.

(قوله): «وإلا لزم ... إلخ» يعني وإلا نقل بعدم التخطئة⁣[⁣١] فيما لم يتفقوا عليه لزم عدم جواز تخطئة كل واحد من المجتهدين. وإنما قال: «في أحكام متعددة» ليكون هذا كما نحن فيه من تخطئة بعض في مسألة وبعض في أخرى.

(قوله): «ولا خلاف فيه» أي: في تجويز الخطأ في تلك الأحكام، مثلاً يجوز تخطئة مجتهد في تحليل النبيذ، ومجتهد آخر في وجوب الوتر، وآخر في نقض الوضوء بمس الذكر، ونحو ذلك؛ إذ لم يتقفوا على كل واحد منها.

(قوله): «لغير الإمامية» ظاهره أن القائلين بأن كل مجتهد مصيب يقولون بتجويز الخطأ على كل مجتهد، فينظر في ذلك⁣[⁣٢].


(١) ولازم التفصيل من هذا القبيل، قال البيضاوي: وفيه نظر، ولم يبينه، ووجهه الإسنوي وغيره بأن الأدلة المقتضية لعصمة الأمة عن الخطأ شاملة للصورتين، وقال السبكي: وهذا النظر له أصل مختلف فيه، وهو أنه [هل] يجوز انقسام الأمة إلى شطرين كل شطر مخط في مسألة؟ الأكثر أنه لا يجوز، واختار الآمدي وابن الحاجب خلافه، وهو متجه ظاهر؛ فإن المحذور حصول الاجتماع منها على الخطأ؛ إذ ليس كل فرد من الأمة بمعصوم، فإذا انفرد كل واحد بخطأ غير خطأ صاحبه فلا إجماع. اهـ قلت: يرجع هذا الكلام إلى أن المراد من الضلالة في قوله ÷: «لا تجتمع أمتي على ضلالة» الضلالة الشخصية؛ إذ لو حمل على مطلق الضلالة لزم كونها شاملة للصورتين، والله أعلم. (من التيسير شرح التحرير لبادي شاه).


[١] شكل على قوله: عدم، وظنن بجواز.

[٢] ولعله أراد بالخطأ ما من شأنه أن تجوز مخالفته، فهو من عموم المجاز، ولذا نسب الخلاف إلى الإمامية؛ إذ المعصوم عندهم لا تجوز مخالفته. (سيدي أحمد بن حسن إسحاق | ح).