[مسألة في الخلاف في اختلاف أهل العصر الأول على قولين واتفاق من بعدهم على أحدهما]
  واحتج المانعون لوقوعه بوجه آخر، وهو أن العادة تقضي بامتناع الاتفاق على ما استقر فيه الخلاف؛ إذ لا تزال إحدى الطائفتين تصر على مذهبها.
  وبوجه آخر، وهو أنه لو وقع الإجماع الثاني لكان ناسخاً للأول، والإجماع لا يكون ناسخاً ولا منسوخاً.
  والجواب عن الأول: منع قضاء العادة؛ إذ لو امتنع لم يقع، وقد وقع، كخلاف الصحابة في مسألة العول واتفاق التابعين فيها على أحد القولين، ولو سلم فإنما يمتنع عادة إذا كثر أهل كل واحد من القولين، أما إذا كان القائل بأحدهما نادراً فلا، كما نجده في كثير من أقوال القدماء الذين لم يبق لهم متابع.
  وعن الثاني بأن الإجماع الأول إن سلم مشروط بعدم الثاني، فإذا ظهر انتفى الشرط فينتفي المشروط.
  واحتج المانعون لحجيته بوجوه أخر أيضاً، منها قوله ÷: «أصحابي(١)
(قوله): «إذ لا تزال إحدى الطائفتين» أي: من العصر الثاني.
(قوله): «تصر على مذهبها» أي: الموافق لأصحابها من أهل العصر الأول.
(قوله): «واتفاق التابعين» الاتفاق ممنوع؛ إذ فيه خلاف ابن الزبير وابن الحنفية وعطاء، وروي عن الصادق والباقر وموسى بن جعفر وعلي بن موسى الرضا والناصر وغيره، كذا نقل.
(قوله): «ولو سلم» أي: قضاء العادة بالامتناع «فإنما يمتنع إذا كثر أهل كل واحد من القولين».
(قوله): «فينتفي المشروط» فلا نسخ حينئذ للإجماع، بل انتفاء الإجماع لانتفاء شرطه.
(١) قال الإسنوي: وجوابه أن الخطاب مع العوام - أي: المقلدين - دون المجتهدين؛ لأن المجتهد لا يقلد المجتهد، ولأن قول الصحابي ليس بحجة، وهؤلاء العوام الذين خوطبوا هم الموجودون في عصر الصحابة خاصة؛ لأن خطاب المشافهة لا يتناول من يحدث بعدهم، وحينئذ فلا يكون الخطاب متناولاً لخواص أهل العصر الثاني لما قلناه أولاً، ولا لعوامهم لما قلناه ثانياً، وإذا لم يكونوا مخاطبين به لم تبق فيه دلالة على هذه المسألة؛ لأن الكلام في اتفاق أهل العصر الثاني. وفي الجواب نظر[١]؛ لأن خطاب المشافهة يعم بأدلة خارجية، وإلا لم يكونوا مأمورين الآن، وهو باطل، وأيضاً[٢] فالمسألة باقية بحالها في العوام المخاطبين.
[١] في المطبوع: وفيه نظر. والمثبت من شرح الإسنوي.
[٢] في المطبوع: وهو باطل أيضاً. والمثبت من شرح الإسنوي.