[مسألة في الخلاف في اختلاف أهل العصر الأول على قولين واتفاق من بعدهم على أحدهما]
  وعن الثاني(١) أن ذلك يقتضي أن لا يكون إجماعهم الخالي عن سبق المخالف حجة، وأنه باطل [بالاتفاق](٢).
  وعن الثالث: أنه لا يجوز خفاء ذلك الدليل عن الكل ويجوز أن يخفى عن البعض.
  وعن الرابع: بأنه مُلْتَزَم كما يجيء إن شاء الله تعالى.
(قوله): «وعن الثاني» أي: الوجه الثاني، وهو أن أهل العصر الثاني بعض الأمة.
(قوله): «أن ذلك يقتضي أن لا يكون إجماعهم الخالي عن سبق المخالف حجة» قد عرفت أن المخالف بنى الوجه الثاني على أن القول لا يموت بموت صاحبه، فعلى هذا كلام المخالف في هذا الوجه مبني على أنه قد سبق قول المخالف، وجواب المؤلف # مبني[١] على أنه لم يسبق قول مخالف؛ لقوله #: «الخالي عن سبق المخالف»، فلا يتوجه ذلك، ولعل المؤلف # بنى هذا الجواب على ما عرفت من أن شبهة المخالف مبنية على اعتبار من سيوجد فيكون المجمعون بعض الأمة. وقوله: «وأنه باطل بالاتفاق» يعني بين من جعل الإجماع حجة. وأما إذا كانت شبهة المخالف مبنية على أن القول لا يموت بموت صاحبه فجوابها بغير ما ذكره المؤلف، وهو أن ما ذكره المخالف منقوض بما إذا لم يستقر خلافهم، فإنه يجري فيه ما ذكره المخالف، مع أن المحقق في شرح المختصر قد دفعه بأن ما لم يستقر عليه رأي فليس قولاً لأحد عرفاً؛ إذ يقال: لم يقولوا بشيء، فلا يتحقق مع الاتفاق قول مخالف.
(قوله): «كما يجيء» يعني في بحث جواز تقليد الميت، فإن المؤلف ذكر هنالك أن الذي منع من تقليد الميت استدل بانعقاد الإجماع بعده، فلو اعتبر الميت لم ينعقد إجماع اللاحقين، وأجاب المؤلف #[٢] بأنه مسلم لولا قيام الإجماع بعد الخلاف المستقر، ولا يلزم من سقوط قول الميت مع انعقاد الإجماع بعده السقوط مطلقاً سواء أجمع على خلاف قوله أم لا. وأما صاحب الفصول فبنى على أن اتفاق أهل العصر الثاني ليس بإجماع؛ بناء على أنه لا يموت قول المخالف بموته، وقواه السيد العلامة محمد بن إبراهيم ¦. قلت: وعلى ما حققه المؤلف # يتم القول بانعقاد الإجماع مع القول بجواز تقليد الميت، وهو الحق.
(١) تقرير الإلزام أنه لو لم يكن أهل العصر الواحد كل الأمة بل بعضهم لأن من مضى داخل في الأمة لزم أن لا ينعقد إجماع أهل العصر على قول لم يسبق لقولهم مخالف؛ لأنهم بعض الأمة باعتبار من يأتي بعدهم، فيلزم أن لا ينعقد إجماع أصلاً، والاتفاق من المختلفين في هذه المسألة على بطلان هذا اللازم. وقد نقل السيد صلاح بن أحمد في شرح الفصول الفرق بين المسألتين - وهما اعتبار من مضى وعدم اعتبار من يأتي - عن السيد محمد بن إبراهيم الوزير بأن قال: من مضى ظاهر الدخول في الأمة، بخلاف من سيوجد؛ لأنه لا يعلم هل يوجد أو لا، وإذا كان عالماً لم يعلم هل يخالف أو لا، ولأن اعتبار من سيوجد يؤدي إلى بطلان اعتبار الإجماع، فلا يمكن اعتباره، فلا يستوي اعتبار ما يمكن كمن مضى واعتبار من لا يمكن كمن يجوز أنه سيأتي. اهـ وهذا فرق جيد.
(٢) ما بين المعقوفين من (أ).
[١] تأمل، فكلام المؤلف إلزام للمخالف، لكن ينظر في هذا الإلزام؛ لأنه إنما يلزمهم باعتبار من تكلم في المسألة، بخلاف من سيوجد؛ ولذا ألزمهم العضد بالإجماع قبل استقرار الخلاف فتأمل. (ح عن شيخه). وفي حاشية عن خط السيد العلامة الحسن بن يحيى الكبسي ¦ ما لفظه: يقال: المقصود إلزام المخالف في شيء متفق عليه مما هو متفق على بطلانه، وإنما يكون ذلك فيما لم يسبق فيه خلاف، أي: لزوم كونه ليس بحجة فتأمل، وسيندفع بهذا جميع ما في القولة الآتية ويعرف وجه العدول عما في العضد. (عن خط السياغي).
[٢] عبارة المؤلف فيما سيأتي: قلنا: مسلم لولا قيام الدليل على انعقاد الإجماع بعد الخلاف المستقر. وهي أولى من عبارة المحشي، ففي عبارته سقط. (سياغي).