هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 230 - الجزء 2

  وقيامه في الواقع مع قطع النظر عن دلالة الخبر عليه، وإن كان الذي في الواقع أنه لم يقم فلا تطابق بين مدلولي الخبر وما في الواقع. وقد يظن عدم التغاير بين المطابِق الذي هو فيما مثلناه قيامه في الواقع الذي هو مدلول الخبر وبين المطابَق الذي هو قيامه في الواقع مع قطع النظر عن دلالة الخبر عليه، وهو ظن فاسد؛ لأنهما متغايران بالاعتبار كما أشرنا إليه.

  وتوضيحه: أن ثبوت القيام له اعتباران: أحدهما: كونه مفهوماً من الكلام مع قطع النظر عن الواقع، والآخر كونه الواقع مع قطع النظر عن الكلام وما يدل عليه، فالوقوع بأحد الاعتبارين غيره بالاعتبار الآخر.

  إذا استقر عندك ذلك (فالصدق مطابقة حكمه) أي: حكم الخبر الذي هو الإيقاع⁣(⁣١) أو الانتزاع أو نسبته⁣(⁣٢) (للواقع) والخارج وما في⁣(⁣٣) نفس الأمر،


(قوله): «فلا تطابق بين مدلولي الخبر» أي: الحكم والنسبة.

(قوله): «وقد يظن عدم التغاير ... إلخ» ذكر المحقق الشريف في شرح المفتاح وحواشيه أن الموصوف بالصدق والكذب ليس إلا الإيقاع والانتزاع، وكذا الموصوف باحتمال الصدق والكذب، ووجهه أن الخبر لا يدل إلا على الوقوع الواقعي، فهي النسبة المفهومة من الكلام والخارجية أيضاً، فكيف يتصور تطابقهما مع اتحادهما ودفع ذلك بما ذكره المؤلف #.

(قوله): «مطابقة حكمه أو نسبته⁣[⁣١]» إشارة إلى أنهم قد يعبرون عن الصدق بمطابقة نسبته لما في الواقع، وقد يعبرون عنه بمطابقة حكمه، فالأول قوله في شرح المختصر وحواشيه في تعريف الباقلاني للخبر: الصدق هو الكلام الذي تكون نسبته التي في النفس مطابقة لنسبته التي في الواقع، والكذب بخلافه، وقوله في التلخيص: إن كان لنسبته خارج تطابقه ... إلخ، وقوله في شرحه: أن تكون نسبته بحيث يقصد⁣[⁣٢] ... إلخ. والثاني قوله في شرح المختصر: الخبر ينقسم إلى صدق وكذب؛ لأن الحكم إما مطابق للخارج أو لا ... إلخ، وقول السعد في شرح التلخيص: صدق الخبر مطابقته أي: مطابقة حكمه.


(١) هذا موافق لما ذكره الشريف في حاشية القطب حيث قال: نختار حده بقولنا: الصدق مطابقة النسبة الإيقاعية والانتزاعية للواقع، والكذب: عدم مطابقتها للواقع.

(٢) عطف على حكمه، وهي تعلق أحد الشيئين بالآخر بحيث يصح السكوت عليه سواء كان إيجاباً أو سلباً. (شرح تلخيص).

(٣) قوله: «أو نسبته للواقع وما في نفس الأمر» معناه نفس الشيء في حد ذاته، فالمراد بالأمر هو الشيء نفسه، فإذا قلنا مثلاً: «الشيء موجود في نفس الأمر» كان معناه أنه موجود في حد ذاته، وأن وجود ذلك ليس باعتبار المعتبر وفرض الفارض، بل لو قطع النظر عن كل اعتبار وفرض كان موجوداً، وذلك الوجود إما وجود أصيلي أو وجود ظلي، فنفس الأمر يتناول الخارج والذهن، لكنه أعم مطلقاً؛ إذ كل ما هو في الخارج فهو نفس الأمر قطعاً، وأعم من الذهني من وجه؛ إذ ليس كل ما هو في الذهن يكون في نفس الأمر، فإنه إذا اعتقد كون الخمسة زوجاً كان كاذباً غير مطابق لنفس الأمر مع ثبوته في الذهن؛ ولذلك قال: ولا يجب مطابقته لما حصل في العقل.


[١] رجع إلى قوله: صرح المؤلف ... إلخ، كذا في نسخة جرى عليها قلم المصنف. (ح).

[٢] في المطبوع بحيث تصدق. والمثبت من شرح التلخيص.