(الباب الأول في الأخبار)
  وممن أثبت الواسطة الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين #؛ لأنه صرح في شرح
= يكون الصدق بتحققهما، والكذب بانتفاء واحد منهما. أقول: وإليه ذهب السيد حسن الجلال في عصام المتورعين. وهاهنا قول لمح إليه المحقق عصام الدين الإسفرايني في شرحه على تلخيص المفتاح محصوله: أن الصدق والكذب كما يتصف بهما الخبر يتصف بهما المخبر، وهو في وصفيته بكل منهما بمعنى يخالف الآخر، غير أن ذلك المحقق لم يوضح القول في تحقيق ذلك بحيث ينزاح الإشكال ويعرف من أين اعتور هذه الأقوال الاختلال.
وأقول في تحقيق ذلك: إن الصدق والكذب كما يوصف بهما الخبر يوصف بهما المخبر، وهذا معلوم من اللغة وموارد الاستعمال ضرورة، لكنه متى قصد اتصاف الخبر بأيهما مع قطع النظر عن المخبر فلا شك أنه يكون الملحوظ إليه حينئذ كون الخبر حكاية عن الواقع ونفس الأمر، فإن طابقه الخبر كان صادقاً، وإلا كان كاذباً، ولا واسطة بين النقيضين، فصح بهذا قول الجمهور، وهو أن الخبر إما صادق أو كاذب ولا واسطة، ومتى قصد وصف المخبر بأيهما مع قطع النظر عن نفس الخبر فالملحوظ إليه حينئذ حال المخبر، ولا شك أن إخباره حكاية عما في ذهنه من نسبة إيقاعية أو انتزاعية، فإن طابقت الحكاية المحكي كان الخبر صادقاً، وإلا كان كاذباً، وبهذا يصح أن صدق المخبر بمطابقة الاعتقاد وكذبه بعدمها، فإن فرض عدم الاعتقاد كإخبار النائم والساهي والمجنون بل الظان والشاك لم يتصف المخبر بصدق ولا كذب، وبهذا يتضح تحقيق الواسطة في المخبرين، فيكون منهم من ليس بصادق ولا كاذب، وعلى هذا دلت آية: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ}، فإن القائلين بهذا القول بصدد بيان حال المخبر، فمع جزمهم بعدم صدقه صح لهم ترديد حاله بين الكذب والجنون، وتأويل الآية المشهور وإن كان ممكناً لكنه خلاف الظاهر، ولا يصار إليه إلا لدليل، واستدلال الجمهور بالإجماع على تصديق اليهودي إذا قال: الإسلام حق، وتكذيبه إذا قال: الإسلام باطل إن عنوا بتصديقه وصف خبره بكونه صادقاً سلمنا ولا يضرنا، بل هو مطلوبنا، وإن عنوا به وصف المخبر بكونه صادقاً منعنا الإجماع.
ومنشأ الوهم والاختلاف في هذه المسألة هو ظن أن وصف المخبر بالصدق لصدق خبره واعتقاد التلازم بينهما، وليس بشيء؛ بدليل آية المنافقين، فإن قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} صريح في تصديق الخبر، وقوله بعده: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ١} نص في تكذيب المخبر، فدل على أن صدق أحدهما لا يسلتزم صدق الآخر، وأنه في كل منهما بمعنى يخالف الآخر، وبهذا التحقيق يتضح الصدق من المين، ويعرف به ما يرفع الخلاف من البين. ثم بعد تحرير هذا رأيت المحقق الجونفوري قد قال في آخر مباحث الصدق والكذب ما لفظه: ولا يبعد أن يدعى أن للصدق والكذب إطلاقين: أحدهما وهو الشائع: ما ذكره الجمهور، والثاني: ما ذكره النظام، سواء كان الإطلاق بطريق الاشتراك، أو يكون الثاني بطريق التجوز، وعليه يحمل الكذب في الآية، وفي حديث عائشة: «يغفر الله لأبي عبدالرحمن، أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ». اهـ كلامه، وهو كما ترى فتأمل وأنصف. (من إفادة الشيخ العلامة محمد بن صالح السماوي ¦).