هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 244 - الجزء 2

  (لنا) أنا نجد من أنفسنا (العلم) الضروري⁣(⁣١) (ضرورة بالبلاد النائية) كمكة والمدينة (والأمم الماضية) كالأنبياء والخلفاء والصحابة كما نجد العلم بالمحسوسات لا فرق بينهما فيما يعود إلى الجزم، وما ذاك إلا بالأخبار قطعاً.

  وقد أورد عليه شكوك⁣(⁣٢)، منها: أن التواتر لا يقع؛ لأنه كاجتماع الخلق الكثير على أكل طعام واحد، وهو ممتنع عادة.

  ومنها: أنه لو وقع لم يفد العلم؛ لجواز الكذب على كل واحد فيجوز على الجملة؛ إذ لا ينافي كذب واحد كذب الآخرين قطعاً، ولأن الجملة مركبة من الآحاد، بل هي نفسها، فإذا جاز كذب الآحاد جاز كذب الجميع قطعاً؛ لأن لازم الجزء لازم الكل، وتجويز الكذب ينافي حصول العلم.

  ومنها: أنه لو أفاد العلم لأدى إلى تناقض المعلومين؛ لجواز أن يخبر جمع كثير بشيء ومثلهم بنقيضه، وذلك محال.

  ومنها: أنه يلزم تصديق اليهود والنصارى فيما نقلوه عن موسى أو عيسى ª أنه قال: «لا نبيء بعدي⁣(⁣٣)»، وهو ينافي نبوة نبينا ÷، فيكون باطلاً.


(قوله): «ضرورة» هذا قيد للوجدان، أي: وجدان كوننا عالمين بالبلاد النائية ضروري، أي: حاصل بلا نظر.

(قوله): «فيما يعود إلى الجزم» وإن كان أحدهما أوضح⁣[⁣١].


(١) لا يقال: الضروري يغني عنه قوله: ضرورة؛ لأنه يقال: ضرورة قيد لوجدان كون العلم التواتري ضرورياً لا نظرياً فافترقا.

(*) قال البرماوي في شرح منظومته في أصول الفقه في ذكر تواتر السنة من مباحث التواتر ما لفظه: لكن التواتر في السنة قليل حتى إن بعضهم نفاه إذا كان لفظياً، وهو أن يتواتر لفظه بعينه، لا إذا كان معنوياً، كأن يتواتر معنىً في ضمن ألفاظ مختلفة ولو كان ذلك المعنى المشترك فيه بطريق اللزوم، ويسمى التواتر المعنوي. اهـ المراد نقله. وهو بحث طويل نفيس صحح فيه كون المتواتر اللفظي منتفياً في السنة، ونقل كلام ابن الصلاح في ذلك وما تعقب به، ودفع ذلك التعقب، فليراجع إن شاء الله تعالى.

(٢) ستة.

(٣) المشهور في الكلام قول موسى: شريعتي لا تنسخ أبداً، وتمسكوا بالسبت أبداً.


[١] إذ الجزم متفق فيهما وإن اختلفا بأن العلم في أحدهما بالتواتر والآخر بالحس. (ح).