[فصل في الخبر المعلوم صدقه]
  والبله الذين لا يتأتى منهم النظر بالضرورة ولو كان نظرياً لما حصل لغير الناظرين.
  (وقيل(١):) بل العلم الحاصل عن التواتر (نظري) وهو قول البغداديين وأبي الحسين البصري وابن الملاحمي من المعتزلة والجويني من الأشاعرة وبعض الفقهاء؛ وذلك (لاحتياجه إلى) المقدمتين، ولو كان ضرورياً لم يحتج.
  بيان ذلك أن العلم لا يحصل إلا بعد (العلم بانتفاء اللبس في مخبَره) بأن يكون محسوساً لا اشتباه(٢) فيه، (و) بعد علم انتفاء (داعي الكذب، وذلك بأن يكون المخبرون جماعة لا داعي لهم) إليه وكل ما كان كذلك فليس بكذب، وما ليس بكذب فهو صدق؛ لعدم الواسطة.
  (ورد بالمنع) لاحتياجه إلى سبق العلم بذلك، بل يحصل العلم أولاً ثم يلتفت الذهن إلى الأمور المذكورة، وقد لا يلتفت إليها على التفصيل(٣)، وإمكان الترتيب
(قوله): «ورد بالمنع لاحتياجه» اللام متعلقة بالمنع، وليست للتعليل، والمعنى ورد بمنع احتياجه ... إلخ،.
(قوله): «وإمكان الترتيب» أي: ترتيب المقدمتين ليحصل الإنتاج[١].
(١) وميل الغزالي إلى أنه قسم ثالث. (عضد). حاصل كلامه: أنه ليس أولياً ولا كسبياً، بل من قبيل القضايا التي قياساتها معها مثل قولنا: العشرة نصف العشرين؛ لأنه قال في المستصفى: العلم الحاصل بالتواتر ضروري بمعنى أنه لا يحتاج إلى الشعور بتوسط واسطة مفضية إليه، مع أن الواسطة حاضرة في الذهن، وليس ضرورياً بمعنى أنه حاصل من غير واسطة كقولنا: الموجود لا يكون معدوماً، فإنه لا بد فيه من حصول مقدمتين: إحداهما: أن هؤلاء مع كثرتهم واختلاف أحوالهم لا يجمعهم على الكذب جامع. الثانية: أنهم قد اتفقوا على الإخبار عن الواقعة، لكنه لا يفتقر إلى ترتيب المقدمتين بلفظ منظوم، ولا إلى الشعور بتوسطهما وإفضائهما إليه [كغيره من النظريات]. (سعد الدين).
(٢) إشارة إلى وجه اشتراط الاستناد إلى الحس، يعني أن العقلي قد يشتبه على الجمع الكثير، كحدوث العالم على الفلاسفة. (سعد).
(٣) وتحقيقه أن العلم الحادث إنما يفتقر إلى العلم بسببه لا إلى العلم بانتفاء سبب نقيضه، لكن الضرورة إذا استقرت في الذهن غفل عن ملاحظة سببها فلم يحتج إلى العلم بها إلى ملاحظة ترتيبه على قانون الكسب وإن احتاج إلى إدراك السبب غير مرتب كما في الحدسيات، فإن الحدس سرعة انتقال الذهن من المبادئ إلى المطالب بلا ملاحظة ترتيبها، والعلم التواتري من هذا القبيل، وهو ظاهر كلام الغزالي، وهو الحق، وإليه ينبغي رد كلام الفريقين. (شرح الجلال).
[١] أي: بالأخرة، وإلا فليستا بمنتجتين (ح عن خط شيخه).