هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 262 - الجزء 2

  التواتر وإن لم يكن شيء من الوقائع الجزئية معلوماً قطعاً.

  وتحقيق ذلك: أن الأخبار الجزئية المتعلقة بخصوصيات الوقائع لها حالتان: حالة الانفراد، وحالة الاجتماع، وهي في حالة الانفراد لا تفيد علماً قطعياً أصلاً لا بخصوصية الشجاعة والسخاوة في المثالين المذكورين، ولا بالشجاعة والسخاوة المطلقتين، وهما القدر المشترك بين الجزئيات؛ لأنها باعتبار الانفراد من جملة أخبار


= واعلم أن الواقعة الواحدة لا تتضمن السخاوة⁣[⁣١] ولا الشجاعة، بل القدر المشترك الحاصل⁣[⁣٢] من الجزئيات ذلك، وهو متواتر، لا لأن أحدهما صدق قطعاً، بل بالعادة. اهـ قد استفيد من كلامه أمران الأول: أن الواقعة الواحدة لا تدل على الجود ولا على الشجاعة وإن كانت تلك الواقعة معلومة؛ لأنهما من الملكات النفسانية، وهي لا تتحقق بواقعة واحدة، إنما تتحقق بمجموع تلك الوقائع. الثاني: أن القدر المشترك معلوم، لا لأن كل واحدة من الوقائع معلوم بل بالعادة عند سماع مجموعها. وما ذكرناه هو مقتضى ما في الجواهر، فإنه قال في بيان الأمر الأول ما حاصله: إن الجود ملكة نفسانية أو الأثر الصادر عنها، ومن البين أن كل واحدة من الوقائع لا تتضمن الجود، إنما تتضمن إعطاءه⁣[⁣٣]، وكذا لا يستلزم شيء من وقائع علي كرم الله وجهه شجاعته؛ لأنها أيضاً من الملكات، فكل واحدة من الوقائع إنما تتضمن محاربته لا شجاعته، فالقدر المشترك ما يلزم مجموع الآحاد من حيث هو مجموع. ثم ذكر⁣[⁣٤] في بيان الأمر الثاني ما أورده المؤلف # من التحقيق. وأما السعد فجعل كلام شرح المختصر مفيداً لأمر واحد فقط، وهو بيان أن الواقعة الواحدة لا تتضمن العلم بالشجاعة أو الجود، فظاهره أنها تتضمن نفس الشجاعة أو الجود لكن لم يعلما منها، إنما يعلمان من مجموع الوقائع، وذلك أنه قال في بيان ما ذكر في شرح المختصر: لا شيء من الوقائع بانفرادها يدل على السخاوة والشجاعة بمعنى حصول العلم بهما منها، بل القدر المشترك بين الجزئيات هو الشجاعة أو السخاوة، وهو متواتر، لا بمعنى أن شيئاً من تلك الوقائع الجزئية معلوم الصدق قطعاً، كيف وهو آحاد؟ بل بمعنى أن العلم القطعي بالقدر المشترك يحصل من سماعها بطريق العادة. إذا عرفت ذلك فالمؤلف # أجمل الكلام وأورد ما ذكره في الجواهر من بيان الأمر الثاني فقط، وكأنه اعتمد ما أفاده السعد، وكأنه هو الأولى؛ لأن المقصود بالبحث هو الأمر الثاني، وهو بيان ما يفيد العلم بالقدر المشترك لا بيان كون القدر المشترك حصل من المجموع أو من الآحاد، وأيضاً في الجمع بين الأمرين شبه المنافاة؛ إذ مقتضى الأمر الأول أن الواقعة الواحدة لا تدل على القدر المشترك وإن علمت، ومقتضى الأمر الثاني أنها لو علمت لأفادت القدر المشترك كما يظهر بالتأمل⁣[⁣٥] فيما ذكره المؤلف # في التحقيق كقوله: بخصوصية الشجاعة والسخاوة، وقوله: بخصوصية شيء من جزئيات الشجاعة والسخاوة، والله أعلم.

(قوله): «لأنها باعتبار الانفراد ... إلخ» علة لقوله: لا تفيد علماً قطعياً.


[١] أراد بالتضمن ما يشمل الالتزام. (منه).

[٢] هو الشجاعة والسخاوة. (سعد).

[٣] أي: إعطاء المعطي. (ح).

[٤] أي: صاحب الجوهر.

[٥] ينظر في ظهوره من كلام المؤلف إن شاء الله تعالى. (ح عن خط شيخه). لعله يفهم من تعليل المؤلف بقوله: لا باعتبار الانفراد ... إلخ، مفهومه أما لو كانت من غير الآحادية لأفادت العلم قطعاً. (حسن بن يحيى الكبسي ح).