هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 271 - الجزء 2

  تواتر ما وقع بمشهد عظيم مما تتوفر الدواعي على نقله لجاز أن يقال: إن القرآن قد عورض وإن بين مكة والمدينة أعظم منهما لكنه لم ينقل؛ لأنه لا موجب لنقلها يُقدَّر إلا توفر الدواعي، والمفروض خلافه.

  وخالف في ذلك الإمامية والبكرية ذهاباً منهم إلى أن النبي ÷ نص نصاً جلياً على إمامة الاثني عشر وإمامة أبي بكر ولم ينقل نقلاً متواتراً مع كثرة سامعيه وتوفر الدواعي على نقله، فحكموا بأن الانفراد بما هذا شأنه لا يدل على الكذب.

  واحتجوا بأنه إن لم يعلم انتفاء الحامل على الكتمان للخبر لم يحصل الجزم⁣(⁣١) بالكذب، والمقدم حق، فكذلك التالي.

  بيان حقية المتقدم أن الحوامل المقدرة على كتمان الأخبار كثيرة كالخوف والتهالك في الملك والحسد وغير ذلك مما لا يمكن ضبطه من الأغراض الحاملة على السكوت والكتمان، وإذا لم يحصل العلم بانتفاء الحوامل المقدرة لم يحصل الجزم


(قوله): «لكنه» أي: القول⁣[⁣١] بأن القرآن قد عورض. وقوله: (لأنه) علة لعدم النقل، وضمير (لنقلها) للمعارضة الدال عليها قد عورض.

(قوله): «والمفروض خلافه» أي: أن توفر الدواعي لا يوجب نقلها متواتراً عندهم كما سيأتي في قوله: فحكموا بأن الانفراد ... إلخ.

(قوله): «إن لم يعلم انتفاء الحامل» حاصل ما ذكره المؤلف # أن مجرد كون الواقعة صادرة بمشهد عظيم مع توفر الدواعي على نقلها لا يوجب نقلها متواتراً، إنما يجب النقل بحسب ارتفاع الموانع، وربما كان للعالمين بها مانع حامل على الكتمان؛ إذ الحوامل المقدرة كثيرة ... إلخ.

(قوله): «وإذا لم يحصل العلم بانتفاء الحوامل المقدرة لم يحصل الجزم بانتفائها» أي: الحوامل، هذه العبارة يلزم منها اتحاد الشرط والجزاء، وهي مأخوذة من الجواهر مع تصرف، ولفظه⁣[⁣٢]: فهاهنا لم يحصل العلم بانتفاء الحوامل المقدرة؛ إذ لا يمكن ضبطها، فلا يحصل بانتفائها جزم اهـ فقوله: جزم أي: جزم بالكذب، فلو قال المؤلف: لم يحصل الجزم بانتفائه⁣[⁣٣] لكان صواباً، وقد اعتمد المؤلف # هذا في قوله: (وبانتفائه) أي: العلم (ينتفي الجزم بكذبها) أي: كذب الأخبار.


(١) هذا الكلام يستلزم اتحاد الشرط والجزاء إن أريد بالجزم مرادف العلم، وإن أريد به ما يتناول جميع أنواعه من الجهل المركب والعلم بالمعنى الأخص فانتفاء الأخص لا يستلزم انتفاء الأعم، إلا أن يقال: إن المراد من العلم هنا مطلق التصديق ومن الجزم اليقيني، والله أعلم.


[١] بل الظاهر أن الضمير يعود إلى كون القرآن قد عورض كما يفهم من عبارة العضد (ح قال: اهـ شيخنا المغربي عافاه الله).

[٢] ينظر كيف كلام الجواهر وكيف ترتيبه، فإن كلام القاضي لا يخلو من شيء؛ لعدم فهم المراد (ح عن خط شيخه). ولفظ حاشية: الظاهر اتحاد كلام المؤلف والجواهر، والمراد بعدم حصول العلم مطلق العلم من غير جزم، بل مجرد حصول الصورة في الذهن، وبعدم حصول الجزم العلم مع الحكم والجزم، ففي كلام المحشي خبط (حسن بن يحيى الكبسي).

[٣] الأولى لم يحصل الجزم به. (ح).