هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 272 - الجزء 2

  بانتفائها، وبانتفائه ينتفي الجزم بكذبها؛ ولذلك لم تنقل النصارى كلام المسيح في المهد نقلاً متواتراً مع غرابته ووقوعه بمشهد عظيم، وكذا انشقاق القمر وتسبيح الحصى وحنين الجذع وتسليم الغزالة⁣(⁣١) وغيرها من المعجزات الثابتة بالآحاد مع أنها من الغرائب، ولم يتواتر أيضاً ما يتعلق بأمر الدين مع توفر الدواعي إلى نقله كإفراد الإقامة وتثنيتها، وإفراد الحج عن العمرة وقرانه بها، وقراءة البسملة في الصلاة وتركها.

  (و) الجواب أن (قولهم: لم يعلم انتفاء الحامل على الكتمان) المدعى حقيته (ممنوع) فإن انتفاء الحامل يعلم بالعادة⁣(⁣٢) كالحامل على أكل طعام واحد فإنه معلوم الانتفاء عادة.

  وأما كلام عيسى # في المهد فإن جرى بمشهد جمع عظيم فلا نسلم عدم


(قوله): «ممنوع» أي: القول المدعى حقيته وهو مقدم الشرطية المشار إليه بقوله: والمقدم حق. وأشار المؤلف # إلى إبطال ما جعل دليلا على حقيته بقوله: فإن انتفاء الحامل الخ.

(قوله): «وأما كلام عيسى #» اعتمد المؤلف # ما في شرح المختصر، وقد اعترضه الشارح العلامة بأنه لا معنى لكون النقل قطعياً بتقدير وآحادا بتقدير؛ لأنه إن كان النقل واقعاً اتصف بأحدهما فقط ضرورة، وإن لم يكن واقعاً فلا معنى لتسليم كونه قطعياً على تقدير. فكان المؤلف # اعتمده لاندفاع الاعتراض بما ذكره صاحب الجواهر أن كلامه # في الواقع وإن كنا نعلم قطعاً أنه لا يخلو عن أحد الأمرين إما أن يكون بمشهد جمع عظيم أو بحضور جمع قليل، لكن لم يكن أحدهما بعينه وخصوصه معلوماً عندنا بالتعيين وكذا الكلام في كونه منقولا متواتراً وآحاداً [أي: لم يكن أحدهما بعينه معلوماً عندنا بالتعيين]⁣[⁣١]؛ فلذلك بنينا الجواب على الترديد فقلنا: إن كان كلامه في المهد بمشهد جمع عظيم فقد نقل نقلاً متواتراً في نفس الأمر بحسب الأصل وإن انقطع في الوسط أو الآخر، وإن كان بحضور جمع قليل في نفس الأمر كان نقله آحاداً في نفس الأمر، وعلى التقديرين لا يرد النقض المذكور؛ إذ لا يلزم كون النقل المتواتر في الواقع آحاداً على تقدير آخر وبالعكس.


(١) الظاهر أن يقال: الغزال؛ إذ المراد الظبية، ولا يقال: غزالة بتاء التأنيث إلا للشمس كما تشهد به كتب اللغة. اهـ منقولة. وفي المصباح: يقال: غزال للذكر، وللأنثى: غزالة.

(٢) التحقيق في هذه المسألة أن يفصل ويقال: لو كانت الواقعة مما علم عادة انتفاء الحوامل في عدم نقلها كما إذا كان بين مكة والمدينة مدينة أعظم منهما فإذا نقل آحاداً كان كاذباً قطعاً؛ إذ من المعلوم عادة أنه لا حامل لهم على عدم النقل لو كانت، وإن لم يكن من هذا القبيل بأن كان لهم فائدة في عدم النقل أو خوف أو غير ذلك فلا نعلم الكذب قطعاً. نعم، يبعد الصدق في مثله، ولا يخفى أن هذه الوجوه وإن كان بعضها بعيداً في الكل فليس ببعيد في البعض ويحصل به الغرض فتأمل جداً. (ميرزاجان).


[١] ما بين المعقوفين من الجواهر.