معين الطالب في علوم البلاغة،

محمد أمين الضناوي (معاصر)

3 - التعقيد

صفحة 12 - الجزء 1

  في هذه الحال قدَّمَتْ الصفة على الموصوف، وفصل بين المتلازمين، وهما أداة الاستثناء والمستثنى، والمضاف إليه، ومثال على هذا قول أبي الطيب المتنبي⁣(⁣١):

  أنى⁣(⁣٢) يكون أبا البَرِيَّةِ⁣(⁣٣) آدم ... وأبوك والثَّقَلانِ⁣(⁣٤) أَنْتَ محمد

  لكن التركيب الصحيح هو أن يقول:

  أنى يكون آدم أبا البَريَّة ... وأبوك محمد وأنتَ الثقلان

  وهنا يصبح المعنى أنه قد جَمَعَ ما في الخليقة من الفضل والكمال، فقد فصل بين المبتدأ والخبر وهما: «أبوك محمد»، وقدّم الخبر على المبتدأ تقديماً قد يدعو إلى اللبس في قوله: «والثقلان أنت».

ب - التعقيد المعنوي

  إن اللافت في هذا الأمر أيضاً هو وجوب أن يسلم التركيب من التعقيد المعنوي، وهو أن يعمد المتكلم إلى التعبير عن المعنى الذي يريد فيستعمل فيه كلمات ليست بمعانيها الحقيقية، ولا تؤدّي إلى المعنى المراد، فيختل التعبير، ويلتبس الأمر على السامع، ذلك لأنه أساء اختيار الكلمات التي تؤدّي المعنى الذي يريده. كأنه يقول: «نشر الحاكم ألسنته في المدينة».

  في هذه الحال يريد «جواسيسه»، وكان من الصواب استعماله: «نشر عيونه». ففي ذلك تعقيد معنوي لا يخدم استعماله فصاحة الكلام ولا المتكلّم.

  ومن ذلك أيضاً قول العباس بن الأحنف:

  سأطلب بعْدَ الدَّارِ عنكم لِتَقْرَبُوا ... وَتَسْكُبُ عَيْنايَ الدموعَ لِتَجْمُدا

  وفي هذه الحال يريد أنه يتحمل الفراق وآلامه، ويوطن النفس على الحزن والأسى، عله يحظى بوصل يدوم، وسرور لا ينقطع، فطالما نال الصابرون أمانيهم، وفرجت كروبهم.

  وهذا الكلام لا يؤدي المعنى الظاهر في البيت السابق، فظاهر الكلام شيء والمعنى شيء آخر.

  ومن التعقيد المعنوي أيضاً قول الشاعر أبي تمام:


(١) هذا البيت في قصيدة مطوّلة مدح فيها المتنبي شجاع بن محمد الطائي.

(٢) آني: كيف.

(٣) البرية البشرية.

(٤) الثقلان: الإنس والجن