الكناية
  والشاعر في المثل (ب) يذكر أنك عندما تَقْصِدُ الشخص الذي يعنيه، ليلاً ملتجئاً إليه في الظلام، مستنيراً بضوء ناره، تجد حطباً كثيراً، وناراً تتأجج، وحَرْقُ الحَطَبِ، وكثرة إشعال النار، يدلان على كثرة الطبخ وكثرة الطبخ تدل على كثرة الأكلين، وذلك دليل على الكرم، والشاعر لم يصرّح بصفة الكرم، وإنما أشار إليها، وكنّى عنها، بكثرة الحطب وتأجج النيران.
  وكل تركيب من التراكيب السابقة في المثالين، كُني به عن صفة لازمة لمعناه، يسمى كناية عن «صفة».
  وفي المثل (ج) تعني أنك قتلت الأسد، ولكنك لم تصرح به. وكذلك البحتري في المثل الرابع يصف قتله للذئب بإصابته حيث يكون «اللب والرعب والحقد» وهو القلب الذي هو محل «العقل والخوف والضغينة»، ولم يصرح به.
  وبالتأمل في هذين التركيبين تعلم أن كلاً منهما كني به عن ذات لازمة لمعناه، لذلك كان كل منهما كناية عن «مَوْصُوف».
  وفي المثل (هـ) أنه لا يَنْسُبُ المجد والجود إلى مَنْ يخاطبه مباشرة، ولكنه نسبهما إلى ما له اتصال به وهما: «تَوْباه وبُرْداه» ويسمى هذا المثل كناية عن «نِسْبَة».
  وأوضح دليل على هذه الكناية أن يصرح فيها بالصفة (المجد والجود) كما رأيت، أو بما يستلزم الصفة مثل: في تَوْبَيْهِ أسد، فإن هذا المثل كناية عن نسبة الشجاعة إلى المتحدث عنه.
  إن الكناية إذا كثرت فيها الوسائط سمّيت «تلويحاً» مثل: «هو كثير الرماد» كناية عن الكرم، لأن كثرة الرماد تستلزم كثرة الإحراق، وكثرة الإحراق تستلزم كثرة الطبخ، وكثرة الطبخ تستلزم كثرة الضيوف وكثرة الضيوف كناية عن الكرم.
  وإن قلت وخفيت سمّيت «رَمْزاً» مثل «فلان من المستريحين» كناية عن الخمول والكسل.
  وإن قلت الوسائط ووضحت أو لم تكن سمّيت إيماء، مثل: سافر أخي تصحبه السلامة، كناية عن نسبة السلامة إليه.
  ومن الكناية نوع يسمّى «التّعريض»، وهو أن يُطلَقَ الكلام، ويشار به إلى معنى آخر يفهم من السياق، كأن تقول الإنسانٍ يَضُرُّ الناس: «خير الناس أنفعهم للناس».