المتكلم البليغ
  إذا ما أعزنا سيّداً مِنْ قبيلةٍ ... ذُرَى مِنْبَرٍ صَلَّى عَلَيْنَا وَسَلَّما
  وهنا في هذين البيتين فاعل «قطرت» محذوف يُفهم من سياق الكلام وهو السيوف.
  ويصبح بذلك معنى البيت الأوّل: إننا إذا حاربنا شققنا الغبار الذي يحجب الشمس برماحنا، وسيوفنا التي تسيل عليها دماء الأعداء.
  أما البيت الثاني فيفاخر به على القبائل الأخرى ويُبرز أهمّيّة قبيلته إذا ما ولّت أحداً كان ولاؤه لها دون سواها.
  نقابل البيتين السابقين بهذين البيتين التاليين حين يخاطب جاريته رباب قائلاً:
  ربابة ربَّة البيت ... تصب الخَلَّ في الزَّيْتِ
  لها عَشْرُ دَجاجاتٍ ... وديك حسن الصوت
  وهنا في هذين البيتين يخاطب جاريته التي تُعدّ الطعام وتجمع البيض، وتحفظه عندها.
  من الملاحظ أن خطابه لها يختلف عن خطابه السابق في الحرب فهو في الحرب يثير النقع، ويستنهض الهمم ويفاخر بما يمتاز به قومه من شجاعة وبأس، بأسلوب قوي رصين.
  أما في خطابه لجاريته رباب فكان كلامه سهلاً بسيطاً تفهمه. ولو خاطبها بغير هذا الكلام لكان غير مطابق لمقتضى الحال، فيكون بذلك لكل مقام مقال.
المتكلم البليغ
  بلاغة المتكلم هي بَمَلَكَتهِ وقدرته على التصرف بفنون الكلام وأغراضه، ببديع القول، وساحر البيان، مما يأخذ بألباب السامعين ويوقفهم على غاية ما يريد بجلاء ووضوح، متحاشياً مخالفة القياس، وضعف التأليف والغرابة والتعقيد في اللفظ والمعنى.
  وليس هناك من فرق بين المتكلّم البليغ والرسام إلا أنّ هذا يتناول المسموع من الكلام، وذلك يُشاكل بين المرئي من الألوان والأشكال.
  أما في غير ذلك فهما سواء، فالرسام إذا هَمَّ برسم صورة فكر في الألوان الملائمة لها، ثم في تأليف هذه الألوان، بحيث تختلب الأبصار وتثير الوجدان.
  أما البليغ إذا أراد أن يُنشئ قصيدة، أو مقالة، أو خطبة فكر في أجزائها، ثم دعا إليه من الألفاظ، والأساليب أخفّها على السمع، وأكثرها اتصالاً بالموضوع، ثم أقواها أثراً في نفوس سامعيه، وأروعها جمالاً.